وفاة بيليه – الساحر وضع تاجه جانبًا وتنحى!
المشهد الأخير:
الزمان: التاسعة مساءًا بتاريخ 29 ديسمبر 2022.
المكان: إحدى المستشفيات البرازيل.
الحدث: وفاة أسطورة بلد يتنفس كرة القدم.
رجل يرتدي معطف أبيض بجواره جهاز يُصدر صفير لا ينقطع صوته! يُمسك بغطاء خفيف ويُزيحه حتى غطى وجه المريض الذي فارق الحياة للتو!
أُغلق ستار النهاية.. ونزل التتر الأخير معلنًا نهاية الفيلم الجميل، نهاية درامية جدًا لقصة حقيقية مؤثرة، كان البطل فيها يشبه شعبه كثيرًا، خرج من رحم الفقر والمعاناة حتى أصبح بطلًا شعبيًا تتحاكى بها ألسنة الصغار قبل الكبار.. بيليه مات..
ويبدو أن لكل قصة حُلوة نهاية مُرة، ليست كما زعمت الأساطير بأن الأبطال الخارقون لا يرحلون! لا ينتهون.
المشهد الاول:
الزمان: الخامسة مساءًا بتاريخ 16 يوليو 1950
المكان: إحدى المقاهي الشعبية بمدينة تريس كاراكوس – البرازيل.
الحدث: نهائي كأس العالم 1950 بين البرازيل وأوروجواي.
الجميع يصطف أمام شاشة صغيرة تبث مباراة منتخب بلادهم والفرحة تُزين الوجوه والقلوب ربما إذا كان بإمكانها الرقص لفعلت، قبل أن تأتي الدقيقة 80 ليتوقف كل شيء، سكتت الألسنة عن الحركة وتوقفت الأهازيج تمامًا ليسود صمت مختلط بدمع أعين جميع الحاضرين، ربما ظلت الأفواه مفتوحة لفترة من هول الصدمة!
أوروجواي وضعت هدفها الثاني في مرمى البرازيل بعد أن كانت المباراة 1-1، وكأنها ألقت قنبلة للتو أخرست جميع الحناجر فجأة، حتى وأن “ألسيديس جيجيا” مسجل الهدف وصف هول ما فعله في البرازيل التي كانت تستضيف بطولة كأس العالم وقتها فقال: ” ثلاثة فقط جعلوا ملعب الماراكانا يصمت.. البابا وفرانك سيناترا وأنا “.
انتهت المباراة وأسدل الستار على كل شيء، الأفراح توقفت ولم يبقى في ملامح المدينة سوى الحزن.. فقط الحزن يسود كل شيء. صغار وكبار يفترشون الأرض والدموع تغرق وجوههم.
” أبي.. لا عليك، سأصبح لاعب كرة قدم وأجلب لك وللبرازيل كأس العالم.. “، ابتسم الأب بعد سماع تلك الجملة من فم نجله الصغير.. مسح دمعه ثم ربط على كتف صغيره الذي لم يتعد عمره الـ 8 سنوات بعد، وشرع الثنائي في السير نحو السراب.
تذكر هذا الوعد جيدًا.. سأعيده إليك قبل نهاية القصة بقليل!
صدفة وراء تغيير حياته بالكامل
الطفل الصغير صاحب الـ 8 سنوات، كان يُعرف بين عائلته الصغيرة بـ”ديكو”، هذا الديكو لم يكن لديه وقت للترفية عن نفسه مثل بقيت الأطفال في تلك المدينة البرازيلية الفقيرة، ليجد والدته تصطحبه إلى مكان عملها، صباح اليوم التالي من كارثة الماراكانا التي بكت البرازيل بالكامل بسببها.
أم شابة ذات بشرة سمراء تحمل ملامح جميلة للغاية، تفترش أرضية ناصعة البياض داخل بيت فاخر تعمل فيه، ورغم بياض الركعة أسفلها، فقد جلست الأم وشرعت في تنظيفها مرة أخرى، وذاك الطفل الصغير إلى جوارها يتبادلان أطراف الحديث.
نهضت الأم عندما سمعت صوت بالخارج ينادي بإسمها، وتركت صغيرها يكمل ما بدأته، ظل مكانه حتى تفاجئ بدخول نجل صاحب ذلك المنزل ورفاقه، ووجد نفسه بدون قصد وبفضول طفل -ربما- يستمع لما يقولونه بشغف تحديدًا حين كان الحديث عن “كرة القدم”.
كان الصغار يتبادلون الحدث عن حلم يُراود عقلهم وقتها، هؤلاء يريدون أن يصبحوا لاعبين كرة قدم معروفين، وأن يمثلوا منتخب البرازيل يومًا ما.. هنا لم يقدر “ديكو” على كتم صوته أكثر فتدخل في الحديث وقال والشغف يملأ عينيه: ” أنا أيضًا أريد أن أصبح مثل بيليه! “
نجل صاحب المنزل يرد عليه والسخرية تحول وجهه إلى طفل أبله، فقال: ” بيليه؟ من بيليه هذا ؟! “، لكن رد “ديكو” جعل الجميع يدخل في نوبة ضحك شديدة لأنه فشل في نطق إسم لاعبه المفضل أمام هؤلاء: ” بيليه هو حارس مرمى فاسكو دي جاما! ” ارتفع صوت الضحك وهبط الشغف في عين ديكو الصغير الذي لم يكن يعرف أن نطق الأسم الحقيقي للاعبه المفضل “بيلي”.
استمر نجل صاحب المنزل في السخرية من “ديكو” حتى وأنه قذفه بقطعة مانجو، هناك تدخلت والدته وقامت بالاعتذار من الطفل الثري، واصطحبت نجلها إلى الخارج..
ديكو قبل أن يتدخل في حديث الأطفال، سمعهم يتحدثون عن كشاف مواهب يبحث عن أطفال لضمهم إلى فريق “سانتوس” أحد أكبر أندية كرة القدم في البرازيل، ولم ينسى الصغير الموعد والمكان الخاص لإقامة دورة تتكون من مجموعة مباريات سيُخرج منها ذاك الكشاف عدة مواهب لضمهم إلى ناديه.
بعد يوم عمل شاق حاول خلاله التنويع بين مسح الأرضيات، ومسح الأحذية، ذهب “ديكو” إلى مكانه الخاص، وهناك تقابل مع أصدقائه المقربين الذي اعتاد دائمًا لقائهم هناك! روي “ديكو” عليهم كل ما سمعه في نهار يومه، وتحديدًا الجزء الخاص بمباراة اكتشاف المواهب.
أتفق ديكو ورفاقه على الاشتراك في تلك الدورة، حتى أنهم التقوا مرارًا لنسج قمصان من أقمشة السرائر ليرتدونها في مباريات الدورة! ولأن حالتهم المادية ليست في أفضل حال، اشترك فريق رفاق “ديكو” في كل مبارياتهم بدون أحذية، ما استدعى تنمر بقية الأطفال على مظهرهم.
لكن فريق ديكو كان قادرًا على الرد بحكمة كبيرة، فقد نجح الصغار في تحقيق الفوز وتقديم أداء يتحاكى عنه كل من شاهد تلك المباريات، ووصل الطفل الأسمر الصغير مع رفاقه إلى المباراة النهائية برأس مرفوعة.
لكن بسبب شدة السخرية التي طالتهم لعدم وجود أحذية في أرجلهم، اضطر الأطفال إلى سرقة بعض البضائع من السوق لبيعها وكسب الأموال لشراء أحذية، لكن المفاجأة أن تلك الاحذية جاءت بمقاس أكبر من أقدامهم الصغيرة بشيء بسيط.
خصم المباراة النهائية كان جميع لاعبيه يعرفون “ديكو” جيدًا، هم أنفسهم نجل صاحب البيت الذي تعمل فيه والدته ورفاقه بالتمام، ما زاد الطين بلة، ذهاب أحدهم إلى معلق المباراة للهمس في أذنه بعبارة صغيرة.. فيما بعد عرف “ديكو” ماذا قال له.
من هنا جاء إسمه الأكثر شهره على الإطلاق
قبل انطلاق المباراة، تفاجئ “ديكو” بأن بما قاله المعلق في الميكرفون أمام الحاضرين: ” الآن سنشاهد ما سيفعله فريق بيليه هذا “، ليتذكر الصغير سخرية الأطفال منه لعدم نطقه إسم لاعبه المفضل بالشكل الصحيح، حتى أنه منذ ذلك اليوم كان يكره مسمى “بيليه” جدًا حتى حدث ما يغير رأيه!
تأخر فريق “ديكو” في بداية المباراة النهائية بـ 6 أهداف دون رد بسبب تلك الأحذية! حتى قرر “ديكو” خلع حذائه وإلقائه إلى خارج الملعب، والتقط الكرة بإحدى قدميه وشرع في ترقيصها حتى وصل بها إلى مرمى الخصم وسجل الهدف الأول!
اشتعلت الأجواء على جانبي الملعب الصغير، بعدما تبادل الحاضرين على أطراف المرميين الصراخ والتصفيق لما فعله “ديكو”، بقية رفاقه قاموا بخلع ما في قدميهم وواصلوا اللعب! حتى وصلت النتيجة إلى 6-5 وانتهت عند هذا الحد.
” أصوات وهتافات جميعها تقول “بيليه.. بيليه”، تصفيق حار هنا، وهناك أحدهم يمارس الوثب في المكان!.. وطفل صغير يدور حول نفسه وتتسع شفتيه من شدة الفرح.. هل رايت يومًا أحدهم يشعر بنشوة الانتصار حتى وهو خاسر؟! نعم.. ديكو أو بيليه -كما ردد الحاضرين إسمه بعد تلك المباراة- فعلها!
كشاف المواهب في نادي “سانتوس” ترك ورقة مدون فيها إسمه ورقمه في يد والد “ديكو” ومنحه وقت للتفكير قليلًا في أن يصبح نجله من بين المواهب الجديدة التي ستنضم إلى الفريق البرازيلي!
نقطة تحول وفقدان الشغف
بعد انتهاء مباراة الـ 6-5، تفاجئ “ديكو” ورفاقه بوصول أصحاب البضائع المسروقة من السوق، تعرفوا على الأطفال وشرعوا في الجري خلفهم لاسترداد بضاعتهم!
هرب الأطفال نحو طريق أشبه بالغابة مليئة الأشجار، وفجأة بدأ المطر يهطل بقوة شديدة، اعتزم الأطفال على التخفي في حفرة للهرب من أصحاب البضائع، حتى وأنهم عادوا لعدم رؤية أي أثر للأطفال.
خرج “ديكو” من الحفرة ليراقب الوضع في الخارج، هل رحل الجميع أم ما زال هناك أثر لأحدهم؟، وعندما لم يجد أي منهم طالب رفاقه بالخروج، خرجوا جميعًا عدا طفل وحيد، سقط المطر بشكل أكثر قوة فجأة لتهبط الحفرة شيء فشيء ولا يقدر الأطفال بمفردهم على إخراجه منها.
جاء والد “ديكو” وأصدقائه الذين خرجوا خلفهم لمعرفة إلى أين يذهبون، وحاولوا جميعًا إخراج الطفل لكنه خرج ميتًا، في موقف تسبب في ندم “ديكو” لفترة طويلة حتى أنه فقد شغفه ناحية كرة القدم تمامًا.
دخل “ديكو” من بعد هذا اليوم في حالة حزن شديدة استمرت لـ 7 سنوات! شعوره بالذنب تجاه صديقه لم يتركه لحظة، خاصة لأنه كان من اقترح سرقة البضائع وبيعها لشراء الأحذية! الفكرة التي توفي صديقه المقرب بسببها!
منذ ذلك الحين، ابتعد “ديكو” عن مداعبة كرة القدم، وخرج إلى العمل مع والدته، حتى أنه عمل كعامل نظافة في المستشفيات.
حالة الحزن التي مرّ بها “ديكو” جعلت والده يحاول بكل ما أوتي من قوة، إعادته عن قراره بالابتعاد عن كرة القدم التي يجد فيها شغفه ونفسه! فشرع في أن يُعلمه مهارات “الجينجا” وهو اسلوب اللعب الذي اشتهر به منتخب البرازيل في الخمسينات حتى أعاده جيل الستينات بقوة.
ولأن والد “ديكو” كان لاعب كرة قدم بالأصل لكنه اعتزل لتعرض لإصابة خطيرة، فقرر تدريب والده على “الجينجا” بالاعتماد على ثمرة المانجو! حتى بدأ الصغير في استعادة شغفه يومًا بعد يوم.
ولأن الأم دائمًا ما ترى ما لا يراه أحد غيرها، حين وجدت ابتسامة نجلها تعود لوجهه من جديد بفضل كرة القدم، ذهبت على الفور للعثور على الورقة المدون فيها رقم كشاف مواهبة نادي “سانتوس” للتواصل معه فورًا
” أرجوك.. عليك المجيء الآن لمشاهدة ما يفعله نجلي.. عليك إقناعه باللعب معك في سانتوس “، مكالمة لم تستغرق دقيقة، حوّلت مسيرة طفل أسمر ستتحاكى عنه مختلف الأجيال
لم يستغرق الأمر سوى ساعات، حتى اصطحب كشاف مواهب سانتوس الطفل الذي أصبح عمره الآن 15 عامًا، وغادرا معًا في القطار صوب العاصمة.. نحن الآن في عام 1957.
هناك في سانتوس تخطى كافة الاختبارات وبدأ مسيرته مع فريق الشباب، وبالرغم أن بدايته هناك لم تكن أفضل شيء على الإطلاق بسبب عدم تأقلمه مع طريقة لعب المدرب، كان “ديكو” قد استقر على العودة إلى منزله وترك هذا الفريق الذي يشعر بداخله أنه لا يمتلك أي مهارات.
كشاف المواهب الذي جلبه إلى سانتوس شاهدته وهو يغادر النادي، فهرع خلفه لإعادته عن هذا القرار، حتى أنه ترك بين يديه خيط سيدله على الطريق الصحيح.
هذا الرجل في ذاك اليوم، طالب “ديكو” باللعب بطريقة “الجينجا” وترك نفسه لهذا الأسلوب لأنه خلق للعب بهذه الطريقة فقط، وليس بالطريقة الأوروبية الحديثة!
عاد “ديكو” إلى معسكر ناديه مُجددًا، واعتزم على استخدام “الجينجا” في تدريبات اليوم التالي، لن أقول أنه أبهر مدربه فحسب.. لكن مدرب سانتوس قرر تغيير أسلوب لعبه تمامًا بسبب المهارات التي خرجت من اللاعب الأسمر!
ما هي الجينجا ؟
في القرن الـ 16، اعتزم البرتغاليون الزحف صوب البرازيل، واصطحبوا معهم العديد من العبيد الأفارقة من أنجولا وموزمبيق، وهناك بدأ الصراع فيما بينهم.
الأفارقة هربًا من العبودية ابتكروا رياضة تعرف بإسم “الكابويرا” للدفاع عن النفس بالاعتماد على حركات سريعة تمزج بين الرقص وفنون القتال، كل تلك الحركات تحدث بشكل سريع جدًا وبمراوغات قوية لإلحاق الأذى بالطرف الآخر.
القانون البرازيلي سرعان من اعتبر رياضة الكابويرا جريمة يعاقب صاحبها على الفور بالحبس، حتى تم إلغاء فكرة العبودية نهائيًا في البرازيل في القرن الـ 19، وبرغم تجريم الكابويرا لكن الأجيال توارثته على مدار ثلاث قرون وورثته للأبناء.
ومن هنا، عُرفت فيما بعد بين الأجيال الجديدة بإسم “الجينجا” حتى أن الأجيال الجديدة قامت بتطويرها كثيرًا وأدخلتها في كرة القدم بطريقة مبتكرة، وتعتمد تلك الطريقة على سرعة اللاعبين وسرعة إيقاعهم في المباريات لتقديم لوحة فنية باستخدام كرة القدم.
الجينجا تعتمد على تثبيت قدم واحدة في الأرض والمراوغة بالقدم الأخرى لمباغتة ومفاجئة الخصم بحركات غير متوقعة بكرة القدم.
أتقن لاعبو كرة القدم في البرازيل طريقة وأسلوب “الجينجا” حتى أصبحت في الـ DNA الخاص بلاعبي البرازيل كافة منذ ابتكار كرة القدم هناك وحتى الخمسينات، خاصة وأن استخدام الجينجا لا يعرض اللاعبين لعقوبة مثل استخدام الكابويرا.
الأحلام تتحقق.. نعم! المعجزات تصنع المستحيل أحيانًا
تطور “ديكو” بشكل فريد، لدرجة أنه أصبح أحد اللاعبين الأساسيين في الفريق الأول لسانتوس، لم يكتفِ بذلك حتى أنه بات هداف سانتوس أيضًا.
غادر “ديكو” في نهاية الموسم وتوجه إلى عائلته لقضاء عطلته، وهناك كان على موعد مع مفاجأة جديدة ستنقل حياته نقلة غير عادية!
” اجتمعت عائلة ديكو حول الراديو للاستماع إلى أسماء اللاعبين الذين تم استدعائهم لقائمة منتخب البرازيل الأول استعدادًا لكأس العالم 1958، كان الشاب الذي يبلغ الـ 16 عامًا يعلم مدى صعوبة وجوده في القائمة لصغر عمره كثيرًا ولكن!!! “
مذيع الراديو كان يتلوا الأسماء واحدة تلو الأخرى، حتى قال جملة: ” أصغر لاعب تم اختياره صاحب الـ 19 عامًا ” هنا انتهت أحلام ديكو، حتى عدل المذيع عما قال واعتذر قائلًا: ” أسف. هنا لاعب أخر هو أصغر لاعب على الإطلاق في قائمة السيليساو، إنه بيليه صاحب الـ 16 عامًا! “
” أن تشعر أن كل الكون لا يتسع للتعبير عن سعادتك، مشاعر داخلية تختلط حتى أن قمت للجري في غابة لا نهاية لها لن ينتهي شعورك هذا!.. كل تلك المشاعر كانت بداخل بيليه أو ديكو حين جاءه الاستدعاء الأول لمنتخب البرازيل الأول “
مراهق جلب كأس العالم للبرازيل.. ومحى أحزان الماراكانا
في معسكر منتخب البرازيل. فيولا مدرب السيليساو لم يكن على وفاق مع بيليه في البداية، حتى أنه رفض طريقة اللعب التي يلعب بها “بيليه” مع سانتوس، الجينجا البرازيلية!
قرر فيولا إشراك كافة اللاعبين في تدريب أخير قبل كأس العالم 1958، حتى يستقر على التشكيل الأساسي النهائي، عانى بيليه كثيرًا في هذا التمرين بسبب طريقة لعب المدرب الغير مألوفة له، فقرر اللعب بطريقته المفضلة “الجينجا”. لكن المدرب لم يسمح له وطالبه بالتوقف عما يفعله!
وقبل نهاية التدريب الأخير للبرازيل، سقط بيليه بطريقة خاطئة على قدمه وتعرض لإصابة! ليغيب بيليه عن أول مباراتين للبرازيل في دور المجموعات! النمسا وإنجلترا، انتصر السامبا في الأولى وتعادل في الثانية في ذلك الوقت
لكن في مباراة إنجلترا تعرض 3 لاعبين أساسيين في البرازيل للإصابة، هنا لم يكن أمام المدرب سوى استدعاء “بيليه” حتى وإن كان لا يزال يعاني من الإصابة، ودخل اللاعب الأسمر في المباراة الأخيرة في دور المجموعات أمام الاتحاد السوفيتي، ليسجل ظهوره الأول في العُرس العالمي؛ كأس العالم، وفاز السامبا بالمباراة 2-0 لكن بيليه لم يسجل أي هدف.
تأهلت البرازيل كمتصدر مجموعته، وكان عليه مواجهة ويلز في ربع النهائي، هنا أظهر “بيليه” نفسه بقوة، وسجل هدف تأهل البرازيل إلى نصف النهائي وأطاح بويلز من البطولة. ومن هنا بدأت الجماهير تتعرف على المراهق الشاب صاحب الـ 17 عامًا أخيرًا.
في نصف النهائي، كان برز نجم “بيليه” في سماء النجومية بشكل فريد من نوعه، بعدما سجل ثلاث أهداف بمفرده في مباراة فرنسا التي انتهتب لصالح البرازيل بنتيجة 5-2.
وصلت البرازيل إلى المباراة النهائية بعد 8 سنوات من كارثة الماراكانا الشهيرة، حين خرج “ديكو” من المقهى للتعهد لوالده بأنه سيصبح لاعب كرة قدم لجلب كأس العالم له وللبرازيليين كافة.. هل تتذكره ؟.. نعم هو نفسه بيليه!
قلت لك سأعيدها لك قبل النهاية بقليل
جاءت اللحظة المنتظرة منذ سنوات طويلة. البرازيل في نهائي الحسم ضد السويد أصحاب الأرض! نهائي كأس العالم 1958.
تقدمت السويد بهدف مبكر في الدقيقة 4، شعر بيليه بأن عليه فعل شيء لا محال، فقرر الاعتماد على “الجينجا” أخيرًا، ليساعد “فافا” في التعادل في الدقيقة 9 بهدف رائع بفضل تلك الطريقة!
وفي ذهول تام، وصلت الكرة لقدم “بيليه” الذي اصطحبها بخفة غير معقولة إلى منطقة الجزاء، وأرسل كرة غير مرئية لمدافعي السويد، وصلت لإقدام “فافا” الذي وضعها في الشباك معلنًا التقدم للبرازيل 2-1.
في الشوط الثاني، لم يتهاون بيليه حتى أحرز هدفين بنفسه، وساعد ماريو زاغالو في تسجيل هدف، لتنتهي المباراة بنتيجة 5-2 للبرازيل ويتوج السيليساو بكأس العالم الأول في تاريخهم.
المشهد الذي لن ينساه جميع شعب البرازيل، بيليه وهو محملًا على أعناق لاعبي منتخب البرازيل، احتفالًا بموهبة ربما ستحرك المياة الراكدة في كرة القدم البرازيلية لسنوات، وستتحاكى عنه الأجيال لأعوام وأعوام.. وهو ما حدث.
“ديكو” الشهير بـ”بيليه” الجوهرة السمراء، حضر مع البرازيل في نسخة كأس العالم عام 1962 و1970 وتوّج بهم جميعًا، ليصبح هو الأكثر فوزًا بلقب كأس العالم بواقع 3 نسخ أكثر من أي لاعب آخر