وداعًا علي معلول.. رحيل يترك في القلب جرحًا لا يندمل
![علي معلول - الأهلي](https://www.365scores.com/ar/news/magazine/wp-content/uploads/2025/01/الموقع-780x470.png)
قِفَا نَبكِ مِنْ ذِكْرى حَبِيبٍ ومَنْزِل بِسِقْطِ اللِّوَى بَينَ الدخُول فَحَوْمَلِ؛ من الميثولوجيا الأمازيغية، توّالت الأساطير في الظهور، حين خطىّ علي معلول بأقدامه بالتحديد من مدينة صفاقس في تونس الخضراء، على أرضية الملعب في العام 2001 حينما بزغّ نجمه بين ناشئي فريق يوفنتوس العرب؛ ليتدرج بعد ذلك حتى يصل سطوعه إلى سماء النادي الأهلي ليخطف به أعيُن جماهيره فيآسر قلوبهم بحُبِهِ.
وُلد علي معلول في 1 يناير 1990، وبدأ مسيرته الكروية مع النادي الرياضي الصفاقسي، منذ انضمامه للفريق الأول عام 2009، أظهر موهبةً استثنائيةً في مركز الظهير الأيسر، مُبرزًا قدراتٍ هجوميةٍ ودفاعيةٍ جعلته محط أنظار العديد من الأندية، في موسم 2015-2016، حقق لقب هداف الدوري التونسي برصيد 14 هدفًا، وهو إنجاز غير مسبوق لمدافع.
في يوليو 2016، انتقل معلول إلى النادي الأهلي المصري، ليبدأ رحلةً جديدةً مع عملاق القارة السمراء، كانت أولى مشاركاته الرسمية في 4 أغسطس 2016، أمام إنبي في نصف نهائي كأس مصر، في تلك المباراة، تأخر الأهلي بهدف، لكن معلول صنع الفارق بتمريرةٍ حاسمةٍ من ركلة ركنية، حولها سعد سمير إلى هدف الفوز، ليُعلن عن بدايةٍ واعدةٍ لنسر قرطاج مع القلعة الحمراء.
![علي معلول - الأهلي](https://www.365scores.com/ar/news/magazine/wp-content/uploads/2024/05/علي-معلول-الأهلي-1024x628.jpg)
ماذا قدم علي معلول مع الأهلي؟
لعب علي معلول 287 مباراة طوال مسيرته مع النادي الأهلي ما يُقارب 25091 دقيقة، حيث سجل خلالها 51 هدفًا وأهدى زملاءه 83 تمريرة حاسمة، وذلك على مستوى كافة المسابقات، بينما على صعيد البطولات، حصد في جعبته 21 لقبًا، تنوعت بين 6 بطولات الدوري المصري، 4 كأس مصر، و5 سوبر محلي، كما أضاف إلى رصيده 4 ألقاب دوري أبطال إفريقيا، بالإضافة إلى 2 كأس سوبر إفريقي، ولا ننسى أيضًا برونزياته الثلاث في بطولة كأس العالم للأندية، مما يعكس مسيرته المميزة والإنجازات التي حققها.
وداعًا علي معلول.. الأهلي يفقد نبض قلبه
نحن مُدينون لعلي معلول بما هو أكثر من المتعة والقيمة، مدينون له بفكرة الولاء للاعب الكرة والتعامل معه بما هو أهل له، فوق معاني النجومية والإنتماء والإجادة، فوق حتى تأثيره كلاعب كرة استثنائي وإنسان يتغلف قلبه بالطيبة، الأمر شخصي بحت؛ فالمنطق والعاطفة هنا يتفقان للمرة الوحيدة من أجله، فإن لك في الفؤاد منازل لو أبصرتها عينيك لقر قرارها، ولك في الروح إشتياق لو الأرض باحت به لتجاوزت وتعانقت أقطارها.
علي معلول إستطاع أن يُسحر الجميع وأن يجعلهُم صامتين مذهولين عند رؤيته في أرضية الملعب، الأمر لا يكمن كونه مجرد موهبة كروية نادرًا ما تكرر أو يجود الزمان بمثلها، أو إنه آخر عنقود الموهوبين في الكرة المصرية إن لم يكن أفضلهم على الإطلاق، يجعلك لا تعرف إذا كان يسير أو يركض، ربما تعتقده من فرط رشاقته وخفته يقفز ويطير كما لو أنه كرواد الفضاء متحرر من جاذبية الأرض.
معلول خلصها.. الأهلي يسجل الرابع في شباك أوراوا
— SSC (@ssc_sports) December 22, 2023
الأهلي المصري 4 × 2 أوراوا الياباني#الأهلي_أوراوا#كأس_العالم_للأندية | #SSC pic.twitter.com/zQpzH6ckrK
لم يكُن الأمر يتعلق بمجرد كرة القدم فحسب!، بل لأننا رآينا في معلول “ملك الحلول” مُكافح في زمن كثر فيه الإنهزاميون، مُحارب في زمن قل فيه المحاربون، شجاع في زمن كثر فيه الجبناء، هو نفس الإنسان الموجود داخل المستطيل الأخضر، وهو ذات الإنسان المتواضع خارجه، كالساحر المبتسم، لا أحد يستطيع فعل ما يفعله سواه!
![علي معلول - الأهلي - تصوير: مصطفى الشحات](https://www.365scores.com/ar/news/magazine/wp-content/uploads/2023/06/photo_2023-06-29_22-18-06-2-1024x683.jpg)
تمكن علي معلول من نثر سحر حبُه على كل حجرًا بُنيّ به جدران النادي الأهلي، الأمر آشبه بوثيقة التفاهم بينه وبين تلك المستديرة، فأينما ذهب ومتى آراد وكيفما فعل فهي تخضع له، يركض بها أو يتراقص وأحيانًا يجعلك تشعر كأنه يطير أو يضعها تحت أقدامه فيصرخ الآخرين ذُعرًا، فالجميع بإمكانهم أن يتعثروا ماعدا هذا المدلل القادم من جانب النسر، يفعل بالمستديرة ما يشاء ولا تآبى يومًا تلك الرقصات العفوية معهُ بل تفتتح ذراعيها من أجله مبتسمة في شباك الخصم.
علي معلول.. “ذكريات كتير بتقابلني معاك يوماتي”
منذ ما يُقارب الثماني سنوات؛ تقريبًا لم تمُر مباراة هامة إلا وكان لعلي معلول جزءًا فيها من فرحة جماهير النادي الأهلي؛ على سبيل المثال، نهائي القرن في دوري أبطال إفريقيا مع الغريم التقليدي فريق الزمالك في 27 نوفمبر 2020 على ملعب القاهرة الدولي، بعد التعادل بهدف لمثله حتى الدقيقة 85 من زمن مجريات اللقاء، كالعادة ظهر التونسي، الجميع ممتن له على تلك اللحظة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فمن بين أقدامه التي فقدنا خلالها أنفاسنّا، إلى تسديدة محمد قفشة التي أعادتنا للحياة؛ لم تسِّع الدنيا بعدها أجنحتنا من فرط السعادة.
بعد سباق مثير دامَ لـ 24 ساعة، صوت فيه أكثر من مليون مُشجع!
— CAF – عربي (@caf_online_AR) December 20, 2020
قذيفة محمد مجدي قفشة التاريخية ضد الزمالك في النهائي تفوز بأفضل هدف في دوري أبطال إفريقيا #TotalCAFCL بتصويت الجماهير.
استمتعوا بالهدف من 14 منظور مختلف@AlAhly pic.twitter.com/bR8qm01jo3
ثم تلك اللحظة التي إرتدى فيها شارة القيادة -رغمًا أنه لم يحتاجها يومًا-، مع أنه كان قائدًا بالفطرة؛ لكن الأمر كان أشبه بجماهير تملأ فوهّة المسرح في إنتظار ظهور البطل حتى تنطلق الصافرات والأهازيج، حياة هادئة أنيقة راقية تبلوّرت لحظة ظهوره فوق أعلى نقطة في القلعة الحمراء، قيمة تجسدت في أحد من توارثوا ميثولوجيا هذا المكان على الرغم من أنه لم يُعجن بمياهه إلا أن الترابط العاطفي بين القلب وكل عاشقي الأهلي كان أشد قوةً ليضرب بعرض الحائط بفكرة أن الابناء من ينشأوا تحت هذة الأرض بل هم من ينتمون بكل ثنايّا أرواحهم للأهلي وينتمي بدوره لهم.
الحقيقة أن الأمر لا يكمُن في “شارة” إعطاء لقب “قائد” حتى وإن كانت مُصنعة من حرير مُطرزة بالأحجار الكريمة! في الواقع تلك الصفة تحمل العديد من المعاني السامية لا يقدر على اكتسابها شخصًا عاديًا بل أنها تسمّو بترادفها مع الإبن البار لتونس علي معلول؛ لحظات عميقة كانت قادرة على احتضان جماهير نسر الأهلي لنسر قرطاج لينسجّا معًا -بمعزل عن ضوضاء العالم المحيط- لقطات تُحفر في الذاكرة لا يمحوّها النار ولا يذوُبها الجليد.
حصريًا
— ON Sport (@ONTimeSports) May 4, 2024لحظة ارتداء علي معلول شارة كابتن النادي الأهلي لأول مرة في تاريخه وتشجيع كبير من الجمهور
#ONTime_Sports pic.twitter.com/ljza7QiV5I
الأمر في موضعه؛ أن علي معلول استحق بالفعل أن يُكتب جانب اسمه بعد سنوات العطاء اللا متناهي أنه حظى بشرف تلك اللقطة كالأول في التاريخ، تقديرًا ممن يشاركهم ضلوع قلبًا يضم بين ثناياه الشعار ذاته؛ يا ليتّك لم تُغادر هذا المكان.
هناك حقيقة مُثبتة فعليًا “أن كل اللحظات السعيدة كانت بدايتها عند علي معلول” بالطبع الذكريات لم تنتهي معه هنا فقط؛ يوجد هذا المشهد الدراماتيكي على مركب محمد الخامس في رادس بالمغرب، يوم 11 يونيو من العام 2023 الأهلي أمام الوداد -عاد لينتقم- في نهائي دوري أبطال إفريقيا، في لقطة يعتقد البعض أنها وإن كُتِبَّت من قلم ويليام شيكسبير لتجسيد معنى “البطل” لن تكون بمثل هذة الاحترافية.
جمهور الأهلي مُمتن لتلك اللحظة، مُمتن لهذا الشعور الجنوني، أكاد أُجزم أن الجميع حتى الآن لا يذكر ماذا فعل، هل قفز عاليًا أم حلق في السماء أم سقط أرضًا؟ يذكر كل فرد من مشجعي القلعة الحمراء كيف كانت رأسه ساخنةً من شدة الاَلم، وكيف كانت قدماه لا تقوى أن تقف لثوانٍ، يذكر كيف شرد عقله بشكلًا مختلفًا لمراتً عدة؛ “سأصبح لا شئ، سيرقص الجميع على أوتار نحيبي!”.
هدف التعادل للأهلي .
— beIN SPORTS (@beINSPORTS) June 11, 2023
محمد عبد المنعم مدافع الأهلي بضربة رأس رائعة يتعادل للأهلي ويعطي كل الآمال للقلعة الحمراء للتتويج باللقب الحادي عشر.
وبهذه النتيجة الأهلي الأقرب لرفع الكأس #دوري_أبطال_أفريقيا #الاهلي_الوداد #نهائي_دوري_ابطال_افريقيا #beINFİNAL pic.twitter.com/ew2WygFYDc
ما بين التنقل في تفكير العقل الذي كاد أن يُفقد وبين نظرة من الأعيُن؛ كان هذا المدرج يهتز من شدة دقات القلوب، لقد ضرب علي معلول بقوانين نيوتن عرض الحائط، أين جاذبيتك تلك والجميع الآن قادر على التحليق سماءً والسير على المياة المتموجة بل والركض قفزًا! من ركنية قادها إلى محمد عبد المنعم أصبح الأهلي ملكًا للقارة السمراء.
![علي معلول - الأهلي - تصوير: عمر ناصيري](https://www.365scores.com/ar/news/magazine/wp-content/uploads/2023/09/E8I1935-1024x576.jpg)
رحيل علي معلول عن الأهلي.. إرثًا لن يمحو
الآن؛ ينتهى فصلًا جميلًا مع علي معلول ليبدأ آخر نرجوه خيرًا له، فبعد بيان وكيله برحيل اللاعب عن جدران القلعة الحمراء، إلى حين لقاءًا مُنتظر داخل الأهلي مرة آخرى؛ سيبقى كل مشجع أهلاوي مُمتن لكل لحظات السعادة مع التونسي، في كل مرة تراقصّا فيها سويًا حتى غمرتهما الدموع ممزوجة بقهقهات حُب الأهلي، معلول كان أشبه بذلك الحِصن المنيع الذي لطالما كان قائمًا فتُدرك أنك في المرسى المؤمن، تثق إنك لن تُهلك بالغرق أو حتى بالقتل عمدًا، بإمكانه أن يشد على يديك حين تظن أنك فقدتُ القدرة على المواصلة.
ليس وداعًا أبديًا، ولكن الذكرى بيننا تخلُد في القلب، ويا لهذة اللحظة التي تقرّحت فيها قلوبنا ونحن نودّع من لا نوّد وداعهم!