مستر لابورتا.. عودة أخطر نصاب في العالم
مستر إكس، رجل العصابات الأخطر على مستوى العالم، الذي سافر من حواري شيكاغو إلى القاهرة لسرقة جوهرة ثمينة يمتلكها “مهراجا” هندي، وبعد فاصل من الأحداث الشيقة والكوميدية، يسقط قناع مستر إكس ويقع في قبضة البوليس المصري، وبدى أن نهايته ستكون في السجن، لكنه عاد للظهور في مشهد الختام”مستر إكس لن ينتهي”.
إذا كنت عاشقا للسينما ومن متابعيها المخضرمين، ستتذكر معي فيلم “عودة أخطر رجل في العالم”، بطولة الفنان الراحل فؤاد المهندس الذي ظهر بشخصيتي “مستر إكس رجل العصابات الأخطر في العالم، ومفتاح الموظف المصري البسيط في إحدى شركات التأمين”، وإذا كنت من متابعي كرة القدم فقط ولا تهوى السينما أو لم يسبق لك مشاهدة الفيلم، لا تقلق، فبطل قصتنا اليوم لا يختلف عنه كثيرا.
عاد خوان لابورتا لتولي رئاسة برشلونة من جديد في عام 2021، وسط طموحات وآمال كبيرة من الجماهير لإنقاذ النادي بعد سنوات العجاف التي عاشها البارسا مع الرئيس السابق جوسيب ماريا بارتوميو، فهو رجل السداسية والقادر على إعادة البارسا إلى منصات التتويج القارية -كما توقع البعض- بعد الفضائح الأوروبية التي كان يتعرض لها النادي عاما تلو الآخر.
سنوات الظلام
بعد الفترة الصعبة التي عاشها برشلونة والخروج من دوري أبطال أوروبا كل عام بسيناريو أكثر قسوة من العام السابق، وتحول النادي إلى مادة خام للسخرية، وذاع صيت لاعبين مثل مانولاس وأوريجي، بالإضافة إلى كوتينيو أغلى صفقة في تاريخ برشلونة الذي سيتذكره الجميع بأنه صاحب الهدفي السابع والثامن بعد خروجه معارا إلى بايرن ميونخ هزيمة تاريخية في دوري أبطال أوروبا بثمانية أهداف مقابل هدفين أمام الفريق الألماني، تلاها هزيمة برباعية في كامب نو أمام باريس سان جيرمان في العام التالي.
في كل لحظة ظن جماهير النادي أنها اللحظة الأسوأ في تاريخ النادي ولا يوجد ما هو أسوأ، يتفاجأ الجميع بالأسوأ في العام التالي، وهكذا. لن نتحدث كثيرا عن هذا الأمر حاليا. لكن الإشارة إليها بشكل سريع كان ضروريا فيما هو قادم.
كانت الجماهير وجميع من ينتمي للنادي الكتالوني ينتظرون لحظة الخلاص من سيء الذكر من وجهة نظرهم جوسيب ماريا بارتوميو الرئيس السابق، المتسبب الأول في كل الكوارث الرياضية، خسر نيمار بعد كسر باريس سان جيرمان الشرط الجزائي في عقده 222 مليون يورو، فزاد من مشاكل النادي، دفع +100 مليون يورو في 3 صفقات لم ينجح أي منهم مع برشلونة، كما كسر كبرياء النادي بمحاولة استعادة نيمار نفسه، هو المتسبب في الأزمة الإقتصادية، كما طلب ميسي الرحيل في عهده، وظهور قضية “بارسا جيت” واتفاقه مع شركات هدفها تلويث سمعة أساطير ولاعبي الفريق وتلميع صورته فقط.
وبحديثنا عن كوارث بارتوميو الرياضية والإقتصادية وفشله الإداري الذي لم يسبق له مثيل، وحملة سحب الثقة التي قام بها أعضاء النادي للإطاحة ونجاحهم جمع عدد التوقيعات المطلوبة، تقدم باستقالته، وظهرت كوادر جديدة على الساحة، بينهم فيكتور فونت وخوان لابورتا.
مع عزم خوان لابورتا عودته لرئاسة برشلونة، وحالة النوستاليجا التي انتبات الجماهير، لن يتذكر الكثيرون سوى أنه “رجل السداسية الذي أتى ببيب جوارديولا”، وحالة رفض العيش في جلباب بارتوميو، فأي شخص سيكون أفضل منه، فما بالك بالرجل الذي تزامن وجوده بأكبر إنجاز في تاريخ كرة القدم في موسم واحد؟
عودة أخطر رجل في العالم
اتذكر جيدا ما فعله جماهير برشلونة على مواقع التواصل الإجتماعي لحظة إعلان لابورتا ترشحه لرئاسة النادي وزيادة أسهمه يوما تلو الآخر نحو حسم ما يسمى بمعركة الإنتخابات لصالحه. والحديث عن كم نجاحات لابورتا في ولايته السابقة، وما يمكن أن يقدمه في ولايته الجديدة بعصاه السحرية التي ستغير كل شيء.
“إكس مش بيموت بالرصاص بس، عنده كذا طريقة للموت”، قالتها -ميس ريكا- أحد العاملين في الأنتربول، والحائزة على الدكتوراة من جامعة هارفارد في دراسة شخصية إكس فقط من الطفولة إلى الإجرام. والتي شرحت طرق أخطر رجل في العالم المتعددة في القضاء على خصومه بطرق مبتكرة.
كما رأى فريق الإنتربول أن “مستر إكس ده أسطورة، ولا أحد يمكنه توقع ما سيفعله”، تماما مثل لابورتا، السياسي ورجل المحاماة المخضرم، هو فقط الذي يمكنه تجديد عقد ميسي، وضم هالاند وبوجبا ومحمد صلاح وأي لاعب في العالم سواء متاح ضمه أو لا، سينضم فقط بسبب لابورتا، لأن لا أحد يمكنه توقع ما يمكنه فعله، سيعيد دوري الأبطال إلى كامب نو ويحل كل المشاكل الإقتصادية ويأتي بـ هانسي فليك أو أي مدرب ترغب في رؤيته الجماهير لتدريب البارسا.
ارتفع سقف طموحات الجماهير، مع دهاء لابورتا، الذي التزم الصمت في معركة الإنتخابات، واستغل أخطاء منافسه الأبرز فيكتور فونت الذي راهن على تشافي ونجل كرويف وأساطير ولاعبي النادي، قبل أن يتركه الجميع وحده وإعلان ذلك علنا، واستفاد لابورتا بمشروعه الإنتخابي “أنا الوحيد القادر على تجديد عقد ميسي”. ما هو برنامجك الإنتخابي؟ كيف ستحل الأزمة الإقتصادية؟ لماذا يجب على الأعضاء منحهم صوتهم؟ كانت الإجابة جاهزة، هو الشخص الوحيد الذي يمكنه تجديد عقد ميسي، الرجل الخارق “سوبر مان” الذي سيخترق الحواجز ويسير على النيران ويقفز من قمة إفرست لحل الأزمة المادية وتجديد عقد ميسي بالطبع.
عندما سئل لابورتا في تصريحات نقلتها صحيفة ماركا عن أسطورة برشلونة ليونيل ميسي، رد قائلا: “لدي علاقة رائعة مع ليونيل ميسي وسينظر في أي اقتراح أقدمه له، إذا لم أفز بالانتخابات، أنا متأكد من أن ليو لن يبقى في برشلونة، أعتقد إذا فاز مرشح آخر، فلن يبقى ميسي في برشلونة”.
أخطر نصاب في العالم؟
فاز لابورتا في انتخابات برشلونة وعاد لرئاسة النادي من جديد، ووسط حالة السعادة التي انتابت الجماهير وارتفاع سقف الطموحات منذ اليوم الأول لاستعادة أمجاد البارسا وانتظار الإعلان عن تجديد عقد ميسي.
واجه لابورتا أزمة مبكرة قبل إجراءات تنصيبه رئيسا لبرشلونة، وعدم قدرته على سداد الضمانات المالية وفقا لشروط رابطة الليجا، بتقديم ضمان مالي قيمته 125 مليون يورو تقريبا وهي نسبة من ميزانية النادي، ونجح في حل المشكلة في اللحظات الأخيرة، قبل أن يتم إصدار قرار بإعادة الإنتخابات، واستلم الراية، وينتظر الجميع الوفاء بوعده.
ظهر لابورتا أمام وسائل الإعلام، وتواجد جميع اللاعبين بما فيهم ميسي، وجاءت اللحظة التي ذكر فيها اسم رئيس برشلونة إسم ليونيل: “ليو، أنا أحبك، برشلونة أيضا يحبك، نريدك أن تبقى معنا”.
توقعت وقتها إنها رسالة عاطفية في لحظة عاطفية يطغي عليها طابع الود العائلي في وقت احتفالات، لا يمكن بأي حال بعد طول الإنتظار فترة الإنتخابات وحجم الوعود من لابورتا أن تكون خطته لتجديد عقد ميسي عبارة عن “ليو أنا أحبك وأريدك أن تبقى”.
وبمرور الوقت كان لابورتا يؤكد أن عملية تجديد عقد ميسي تسير على الطريق الصحيح، كما تعاقد النادي مع صديقه سيرجيو أجويرو سيكون عامل جذب لاستمراره.
في النهاية، رحل ميسي عن برشلونة، وكان لابورتا يدرك ذلك جيدا، الأمر مستحيل من الناحية الإقتصادية مع معاناة برشلونة من ديون باهظة، وصلت لإيقاف قيد الصفقات الجديدة قبل أن يتم تسوية وضع النادي المالي وفقا لقوانين رابطة الليجا، لم يكن ليتم ذلك سوى برحيل نصف قائمة الفريق تقريبا وإقناع جزء كبير من اللاعبين بالرحيل، والجزء الآخر بتعديل العقود وتخفيض أجورهم.
الحل الواقعي كان التضحية بميسي، وأحد أغلى الصفقات في تاريخ النادي أنطوان جريزمان، وهو ما حدث بالفعل، وهو أيضا ما كان يسعى إليه لابورتا الذي أراد التخلص منهما، بينما كان يتلاعب بالجميع ومحاولة إقناعهم بأنه الشخص الوحيد الذي يمكنه تجديد عقد ميسي.
لقد طُلب مني تخفيض راتبي بنسبة 50%، ووافقت على ذلك دون أي مشكلة كنا في وضع يسمح لنا بمساعدة النادي بشكل أكبر، وكانت رغبتي ورغبة عائلتي هي البقاء في برشلونة، لم يطلب مني أحد أن ألعب مجانا، لكن في نفس الوقت، يبدو لي أن كلمات لابورتا ليست في محلها، لقد آذتني، لأنني أعتقد أنه لا يحتاج لقول هذه الكلمات هذا يجعل الناس يفكرون، أو يولد نوعا من الشك الذي أعتقد أنني لا أستحقه”.
ميسي في تصريحات لصحيفة سبورت الإسبانية
ميسي وافق على تخفيض عقده بنسبة 50% تقريبا، هو ما أكده اللاعب ومسؤولي النادي، لكن لابورتا كان ينتظر أن يعرض ميسي اللعب مع برشلونة بالمجان، لم يكن يجهل بقوانين العمل بإسبانيا قبل تصريحه والتي تمنع ذلك، لكنها كانت إحدى ألاعيب رجل المحاماة والسياسة.
رحل ميسي عن برشلونة، ولم يكف لابورتا عن التلاعب بالجماهير، لمح بضم هالاند وصفقات كبرى أثناء تقديم فيران توريس لاعبا جديدا لبرشلونة قادما من مانشستر سيتي في يناير، في كل مناسبة يظهر تلميحات للصحافة بأنه يمكن لبرشلونة ضم هالاند وأي لاعب كبير.
التعاقد مع محمد صلاح وليفاندوفسكي؟ هما لاعبان من الطراز العالمي، لكن لا يمكنني أن أؤكد لكم وجود مفاوضات من عدمها، قد يتهموني في النادي أنني أفسد المحادثات.
فشلت صفقة هالاند كما هو متوقع، خرج وتحدث عن استحالة الصفقة من الناحية الإقتصادية، والحقيقة أن الأمر لم يكن ممكنا في أي وقت من الأوقات لنفس السبب، لكنه خوان لابورتا، الشخص الذي أصبحنا نعرفه حاليا، لم يحدث شيء جديد ليتمكن برشلونة من ضم هالاند أو محمد صلاح أو ليفاندوفسكي، النادي بحاجة لمعجزة إقتصادية ليتم الأمر.
وبحديثنا عن المعجزة الإقتصادية، كان لابورتا الذراع الأيمن لغريمه اللدود فلورتينو بيريز رئيس ريال مدريد، الذي حارب من أجل مشروع السوبر ليج، لابورتا كان معه لأنه يدرك أنه الحل ومنجم الذهب الذي سيحل كل مشاكله، لكنه لم يكن في الواجهة مثل بيريز وأنيلي رئيس يوفنتوس، لم يعاد اليويفا، كما أنه وقف مع ريال مدريد ضد رابطة الليجا ومشروع CVC ثم تراجع وكاد أن يوافق عليه ثم تراجع مجددا بعد معرفة أضراره على المدى الطويل، لا تتعجب، فهو خوان لابورتا، صديق الجميع والسياسي البارع من الممكن أن يتفق مع الشيء ونقيضه.
برشلونة باع ميسي وجريزمان وفي طريقه لبيع دي يونج وكوتينيو، الوضع الإقتصادي لا يزال سيئا، ولابورتا ينتظر معجزة ما لحلها، مثلما حدث في ولايته الماضية، معجزة حولته من أحد الرؤساء المنبوذين في تاريخ النادي وفي الطريق لسحب الثقة منه، لقرار لم يكن قراره، كان يريد التعاقد مع مورينيو لتدريب الفريق، حتى راهن أسطورة برشلونة يوهان كرويف على بيب جوارديولا، ومعه بدأت صناعة أحد أقوى الفرق في تاريخ كرة القدم “تيكي تاكا” بيب التي ظهر مفعولها سريعا وفي الموسم الأول نجح في الفوز بالسداسية.
تخيل لو أتى لابورتا بجوزيه مورينيو لتدريب برشلونة ولم يتعاقد مع جوارديولا؟ هذا لم يحدث لأنه شخص “ذكي”، يعلم أن قدراته الرياضية محدودة ولا يقارن بالأسطورة يوهان كرويف، ودخوله في صدام معه في هذا التوقيت لم يكن في صالحه فجاء جوارديولا في عهد لابورتا ليتذكر الناس بعد 12 سنة تقريبا إنه رجل السداسية، وتناسوا كل السلبيات التي حدثت وحملة سحب الثقة.
الآن، لابورتا يدرك جيدا أنه الرجل الذي رحل ميسي في عهده، وهبط برشلونة إلى الدوري الأوروبي، وباعت جماهيره التذاكر وخرج من اليوروبا ليج في الدور ربع النهائي، لكنه ألقى النرد وانتظر النتيجة، منحه القدر تشافي الذي حقق نجاحات أكبر من المتوقع في وقت قياسي، رهان تشافي الذي يشبه الرهان على جوارديولا نوعا ما، الرهان على استعادة هوية النادي قد يساعده على قلب الأمور لصالحه في النهاية.