محاولة صعود برشلونة من القاع.. بين تجربة مرتضى منصور وجوارديولا لا يكفي!
كتب: إبراهيم سيسيه
“عار هي الكلمة المناسبة، لا أحد غير قابل للمساس، إذا كان هناك الحاجة لدماء جديدة من أجل التغيير، أنا أول المستعدين للرحيل إذا كان هذا الافضل للفريق، لقد وصلنا للحضيض، نحتاج للتغيير ولا اتحدث فقط عن اللاعبين”
هكذا تحدث بيكيه بعد فضيحة بايرن ميونخ في دوري الأبطال، العار، التغيير، الحاجة لدماء جديدة، كلها أمور تنطبق على حالة برشلونة في السنوات الثلاثة الماضية، تحديدا منذ ليلة الاولمبيكو، لكن المسكنات التي استمر ميسي في ضخها للفريق مع إدارة لا تفقه شيء عن التسيير الرياضي حالت دون ذلك. إلى غاية الوصول إلى الحضيض كما وصف جيرارد بيكيه.
مع انتهاء مفعول المسكنات ظهرت كل المشاكل على السطح، التغيير أصبح حتميا وليس خيارا لكن مصحوب بالكثير من التراكمات التي خلفتها السنوات الماضية، صيف ثقيل مر به الفريق، خسارة البايرن، رحيل المدرب، طلب ميسي للرحيل بشكل رسمي ودخوله في مشاكل مع الإدارة، أحداث كثيرة كانت نتيجة حتمية لسلسلة الأخطاء التراكمية تاركا النادي بدون أي فرصة للتعافي السريع حتى ولو أوهم بارتوميو الجميع بذلك بجلب كومان ثم البداية بتنظيف غرف الملابس برحيل بعض الكبار لتبدأ حملة التغيير التي كانت ناجحة في بدايتها بالفعل، إذ أنها اتت برأسه بطريقة حاول تجنبها طوال الوقت.
وصل كومان إلى برشلونة وهو يدرك صعوبة الموقف، التضحية بمشروعه و رحلته مع منتخب هولندا ثمن كبير للغاية لكن بالنسبة له هذه الفرصة الأخيرة لتحقيق حلمه الاكبر، كومان كان يعرف أن حديث أحد القادة بالكلمات التي قالها بيكيه تعني أن الفريق في حالة يرثى لها، وكأي مدرب وصل كومان بلائحة من الطلبات للقادمين والخارجين، لكن ما وجده هو أصعب شيء.
استنساخ مرتضى منصور
في 2014 وبعد وصوله لكرسي رئاسة نادي الزمالك قام مرتضى منصور بتصرف جنوني حيث قام بتسريح معظم لاعبي الفريق وتعاقد مع 17 لاعبا جديدا بالتمام والكمال دفعة واحدة، والحجة كانت أن لاعبو الفريق ادمنوا الفشل والهزائم، بالتأكيد مرتضى لم يقم بالتغيير بناء على تحليل للموقف وتقييم سليم، لكن بطريقة ما وصل إلى تلك النظرية أو ربما لم يصل إلى نظرية من الاساس و اراد نسف كل ما يتعلق بمن سبقه اداريا، لكن دعنا من هذا.
وضعية لاعبي برشلونة الحالية مشابهة، بالتأكيد الفريق لم يصل بعد إلى ما كان عليه الزمالك، الوصول الى تلك النقطة ستخلف نتائج اسوأ، الفريق لم يدمن الهزائم لكنه انتهى ذهنيا بداية من ليلة روما وصولا إلى ليلة أنفيلد، ما بعد ذلك هو مجرد شبح لنادي اعتاد أن يكون كبيرا، بيكيه تحدث عن ليلة أنفيلد قائلا بأنه بعد الهدف الاول بدأ اللاعبين بتذكر ليلة روما، 5 دقائق فقط لفريق متقدم بثلاثية نظيفة في الذهاب كانت كافية لخروجهم ذهنيا من الميدان.
حسنا نحن الآن بصدد اتباع نظرية مرتضى منصور لكن بطريقة أكثر اعتدالا، أو هكذا فكر كومان عالاقل، هناك حاجة للتخلص من عديد اللاعبين، الأندية لا تريد دفع أموال للحصول عليهم وطريقة مرتضى منصور في التخلص منهم لن تنجح هنا، لا يوجد أموال لتسريح للاعبين ولا أموال للتعاقد مع من يخلفهم، حصيلة النادي للدخول لسوق الانتقالات من أجل القيام بثورة هي (0 يورو)، الحل الأوحد هو تسليم الراية للشباب اليافعين الذين يحتاجون الكثير من الوقت للتطور والتعلم للوصول إلى الاستمرارية المطلوبة في هذا المستوى من المنافسة.
برشلونة كومان
يعتمد الهولندي في اللعب على خطة 4-2-3-1 تتحول بعض الوقت لـ4-2-4، برباعي دفاعي يتقدمهم ثنائي وسط و رباعي هجومي يتبادلون الادوار في الكثير من الاحيان. طلبات كومان من البداية كانت تشرح ما الذي يريده تحديدا، فينالدوم وديباي، الاول لاعب يفوز بالصراعات ويضيف عنصر القوة البدنية لوسط الملعب بالاضافة لقدرته على التحرك هجوميا بدون كرة في اتجاه منطقة الجزاء، الثاني مهاجم ثاني في الاغلب، مهاجم وهمي مع الطواحين، ومهاجم رقم 9 في وصف كومان، وبعيدا عن صحة التعريفات من عدمها فإن أي من طلبات كومان لم يتم تنفيذها بسبب الوضع المالي الصعب للنادي لذا اضطر للبحث عن بديل.
فاتي سيلعب ما بين اليسار والعمق، ميسي سيلعب كمهاجم وسيكون جريزمان على اليسار وخلفهم بيدري-كوتينيو، بجانب ثنائية فرينكي دي يونج وبوسكيتس في الوسط، هذه هي الطريقة الاقرب أو على الأقل التي فكر فيها كومان، رباعي هجومي يملك حرية كبيرة في التحرك، عند نزول ميسي لاستلام الكرة يتحول أحد الاطراف لشغل مركز المهاجم وفي الغالب يكون الجناح الايسر ليترك الخط لألبا الذي يعتبر جناح الفريق
المشكلة هنا أن العناصر ليست جيدة كفاية، الفريق لا يمتلك قاطع كرات، ومع تواجد رباعي هجومي في الملعب فلاعبا الوسط مطالبين بتغطية مساحة كبيرة في عمق الملعب عند فقدان الكرة في ظل مستوى بوسكيتس الكارثي وقدرات بيانيتش البدنية المعدومة فدي يونج ليس لديه الشريك المناسب في وسط الميدان.
دفاعيا لونجليه يمر بأسوأ مستوياته، بيكيه ما زال أفضل مدافع في الفريق رغم اقترابه من الـ34 وإصابته تركت الفريق بدون قائد في الخلف، الأمر الذي ظهرآثره بشدة عند تحول كومان إلى خطة الثلاثي الدفاعي حيث يفتقد الثلاثي (لونجليه – آراوخو – مينجويزا) إلى التنظيم وقراءة اللعب مما يتسبب بعشوائية كبيرة أثناء استقبال الهجمات ابرز تجلياتها كانت في الهدف الثاني ضد فالنسيا.
بارسا كومان يبدأ المباراة بطريقة جيدة أغلب الوقت، يهدر لاعبوه عدة فرص وفي الشوط الثاني عندما يحتاج الفريق لتدخل من على الخط يتحول كومان إلى اسوأ مدرب في العالم بخياراته، مدرب يفقد التحكم عندما يتم تغيير السؤال الموجه لفريقه فوق أرض الميدان، والأكثر من هذا أن كومان لم يساعد نفسه باختياراته، صحيح أن الخيارات محدودة لكنه يصر على التعامل مع لاعبين مثل بوسكيتس وكوتينيو على انه لا يمكن المساس بهم في الوقت الذي يقدم فيه الثنائي أسوأ مردود بدني ممكن، في ظل اصرار كومان على أن ريكي بوتش اللاعب الذي صنع الفارق في نهايات الموسم الماضي لا يستحق الفرصة ابدا سوى آخر دقيقتين من مباراة مثل التي خاضها الفريق ضد ايبار في الكامب نو. لكن هل هذا فعلا السبب الأكبر لما هو عليه الفريق الآن؟ هل كون كومان أسوأ مدرب في العالم ان صح وصفه هو من قاد الفريق الى المركز السادس؟
مابين الطموح والواقع
في يناير الماضي تحدث بيب جوارديولا عن صعوبة منح الفرص للشباب بشكل مستمر لأن الفريق مطالب بتحقيق كل شيء، ليس هذا فقط بل أن يكون حاضرا في كل مرة وكل مباراة بأفضل شكل ممكن لهذا تحتاج للاعبين كبار من اجل الاستمرارية.
العبرة من هذا التصريح، أن المواهب الشابة مهما بلغت حجم موهبتهم يجب دمجهم في الفريق بالتدريج خصوصا لو كان فريق ينافس على كل شيء ومطالب بالفوز كل 3 أيام، في برشلونة اللاعبين الشباب لم يحظوا بهذا الأمر، بيدري جاء من الدرجة الثانية ليجد نفسه يتم انتقاده بعد 60 دقيقة سيئة في الكلاسيكو بعد بداية موسم ممتازة، آراوخو، مينجويزا بالاضافة لديست و ترينكاو اللذان جاءا من مستوى ضغوطات وتوقعات أقل، وجدوا انفسهم مطالبين بتغيير الكثير في بيئة لم تساعد حتى نجوم الـ+100 مليون على التأقلم والتألق.
البارسا حتى الآن لعب 15 مباراة في الليجا، تعثر 8 مرات بواقع 4 تعادلات ومثلها هزائم. على مستوى الأرقام يبدو الأمر سيء للغاية كما لو أن الفريق يستمتع بالجلوس في القاع، مع قليل من التدقيق لن يتحول الامر 180 درجة، لكن سيجعلك تدرك أن المشكلة ليست في المدرب فقط، البارسا يصنع فرص بكثرة و رغم كل شيء، كيف؟ بنظرة رقمية سريعة، البارسا هو ثالث اعلى معدل صناعة فرص في الدوريات الخمس الكبرى، خلف أستون فيلا ونابولي، ثالث أعلى معدل تسديد خلف نابولي وليون، رابع أكثر فريق صنع فرص كبيرة، ماهي المشكلة؟ ببساطة الفريق لا يسجل. هذه الارقام الكبيرة في الصناعة تقابلها أرقام سيئة في التسجيل، حيث أن برشلونة ثاني أكثر من اهدر فرص كبيرة، من الـ51 فرصة سجل 18 فقط! في ترتيب الاهداف المتوقع تسجيلها، يقع البارسا ثالثا بـ33.8 هدف، لكن الواقع ان الفريق احرز 29 هدف فقط ويقع في المركز الثالث عشر في ترتيب المسجلين.
أنسوماني فاتي
في الوهلة الأولى التي ستسمع فيها أن غياب فتى في الـ18 من عمره عن نادي بحجم برشلونة يشكل تأثير بحجم الكارثة على موسم الفريق. قد تعتبره ضرب من الجنون، لكن الواقع يفرض نفسه، والواقع يقول أن لحظة إصابة فاتي كانت لحظة صعبة على هجوم برشلونة.
بعد رحيل سواريز الذي وصفه كومان بأنه قرار تم اتخاذه قبل وصوله أصبح الفريق بدون مهاجم سوى برايثوايت والذي يصادف سوء مستوى نجم الفريق، لذا انعقدت آمال الفريق هجوميا على الثنائي فاتي و جريزمان، لاعبان يتحركات في البداية من الطرف ويتحولان إلى مهاجمين حسب سير الهجمة. وفاتي قام بدوره على أكمل وجه.
في أول مباراتين حصد الفريق 6 نقاط كان له الفضل الأكبر، بتسجيله في المباراتين من أول فرصة اتيحت له ومنح الفريق الافضلية المبكرة والتي يفتقدها الفريق الآن بشدة، سجل في أول كلاسيكو له وكان يسير بخطى ثابتة حتى لحظة إصابته ضد ريال بيتيس.
فاتي يغيب عن برشلونة منذ قرابة الشهرين، لعب 431 دقيقة فقط، أقل من الضعف تقريبا مقارنة بجميع مهاجمي الفريق ومع ذلك، فاتي ما زال ثاني هدافي برشلونة في الليجا بـ4 أهداف خلف ميسي، فاتي الوحيد الذي يملك اهدافا أكثر من المتوقع أن يسجلها، حيث أن أهدافه المتوقعة هي 1.8 هدف فقط، باقي مهاجمي البارسا جميعا يمتلكون أهدافا أقل من المتوقع لهم بما فيهم ميسي، كذلك فاتي يمتلك افضل معدل تسديد على المرمى من بين مهاجمي الفريق حيث أن 50% من تسديداته تذهب باتجاه المرمى، احصائيتين توضح نوعية الفاعلية التي افتقدها البارسا أمام المرمى في غياب الجوهرة الشابة.
كل شيء متصل
يتحدث المؤلف ايتورياجا عن برشلونة المختلف عن باقي الأندية الكبرى، وأي مشكلة تحدث إداريا وماليا تؤثر مباشرة على غرف الملابس، هذه طبيعة البارسا منذ تأسيسه، لذلك الوضع الحالي وتأثيره على الفريق من الداخل أمر ليس بغري، كما لو كان تأثير الدومينو لكن الضرر هذه المرة كان كبيرا.
بعد مباراة قادش تحدث كومان بإندهاش كبير عن الهدفين اللذين تلقاهما الفريق: “لقد خسرنا بسبب أخطاء لا يمكننا القيام بها، أمور تحدث بسبب قلة التركيز وليس فقط من قبل المدافعين، من الصعب جدا تفسير بعض الاهداف التي استقبلناها، الهدف الثاني اليوم لا يمكن تفسيره، أعتقد أن الامر له علاقة بقلة التركيز.”
هذا يفسر الكثير، كومان تحدث عن الدفاع لكن لم يختصهم بالذكر لأنه لا يريد اغفال الازمة الهجومية، الفريق يصنع الفرص لكن المهاجمين لا يسجلون، كل شيء يتم بشكل جيد إلى أن يصل الأمر للمسة الأخيرة فيفقد الكل تركيزه بما فيهم ميسي الذي اعتاد التسجيل من أقل عدد من الفرص الممكنة، هذا الموسم الأهداف المتوقعة لليونيل هي 10.1 في حين سجل 7 اهداف فقط، أي أقل بـ3 اهداف كاملة.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، دفاعيا الفريق يقدم أشياء حتى المدرب وقف عاجزا عن تفسيرها، من ـصل 8 تعثرات، الدفاع قام بأخطاء مباشرة أدت إلى أهداف في 6 منها. بداية من ركلة جزاء فرينكي المجانية ضد خيتافي، مرورا بخطأ نيتو ضد الافيس، شتيجن ضد أتلتيكو، لونجليه ضد قادش، حتى خطأ آراوخو ضد إيبار، الأمر ذاته في كل جولة، كل لقطة تفقد الفريق النقاط في صراع الدوري، أمر لم يسبق رؤيته مع فريق آخر بهذا العدد أو الكثافة، كما لو كان تأثير الدومينو بلغ ذروته، ومستوى المشاكل التي فيها الفريق وقع على عاتق اللاعبين فوق أرضية الميدان حتى اثقلها دفاعا وهجوما.
كومان بالتأكيد ليس المدرب الذي بإمكانه قيادة برشلونة للقمة من جديد، لكن الواقع يقول أنه آخر مشاكل هذا النادي، والهدف الأكبر هو أن يعود البارسا إلى سابق عهده كنادي كرة قدم حقيقي قبل كل شيء، إدارة تقوم بدورها الاداري، مدير الكرة يقوم بدوره في سوق الانتقالات بالتنسيق مع المدرب، أمور ـساسية وبديهية لإدارة فريق كرة قدم ستجعل الفريق يتجنب كم الصفقات الفاشلة الجنونية التي حدثت في السنوات الأخيرة لينتهي به المطاف بجيل من الشباب يجدون أنفسهم يقودون فريق بطموحات أكبر بكثير من مستواهم الحالي. قد يكون كومان أسوأ مدرب في العالم لكن حتى أفضل مدرب في العالم لا يمكنه النجاح وسط مخلفات بارتوميو.