لوكا مودريتش وشغف الأطفال.. ليش منتلفت خايفين؟
بشغف البدايات والأطفال الصغار وهوسهم بتحقيق أحلامهم، والوجه البريء الذي يتشابه مع الفنانة فيروز وصوتها في الخلفية؛ “سألتك حبيبي لوين رايحين؟ خلينا خلينا وتسبقنا سنين، إذا كنا على طول، التقينا على طول.. ليش منتلفت خايفين؟”.
يسابق لوكا مودريتش الزمن للحاق بمباراة ريال مدريد ضد أوساسونا في نهائي كأس ملك إسبانيا، ومواجهة مانشستر سيتي في ذهاب الدور نصف النهائي من بطولة دوري أبطال أوروبا، بعدما تعرض لإصابة كان سيغيب على آثرها لمدة ١٥ يوما، وبالتالي عدم مشاركته في المواجهتين الحاسمتين.
لاعب سيتم عامه الثامن والثلاثين، لن نتحدث كثيرا عن اللاعبين في مثل عمره، ينهون مسيرتهم في الولايات المتحدة أو في منطقتنا العربية، علقوا حذائهم الدولي، يقضون أوقاتا أكثر مع الأسرة، والاهتمام بعملهم الخاص والاستعداد لعالم ما بعد الاعتزال، هنا نتحدث عن الأشخاص العاديين وليس لوكا مودريتش.
مودريتش والدجالة وطموح العشرينات
مع تعرض مودريتش للإصابة في مباراة جيرونا وغيابه عن مواجهتي ألميريا وريال سوسيداد، وتوقع غيابه عن مباراتي أوساسونا ومانشستر سيتي، فتح أنشيلوتي باب التكهنات حول إمكانية عودة لوكا مودريتش من الإصابة قبل الموعد المحدد.
لم يحدث ذلك صدفة، أو إصابته أقل من المتوقع، لكن لوكا لم يستسلم للإصابة أو السير وفقا للبرنامج العلاجي الطبيعي من قبل النادي، بل سافر إلى بلجراد لعرض نفسه على الطبيبة المعجزة ماريانا كوفاسيفيتش.
الطبيبة اشتهرت بالدجالة أو المشعوزة، نظرا لمواقفها السابقة مع المشاهير في عالم الرياضة بخبرة أكثر من ٢٠ عاما، ولعل أبرزهم لاعب التنس نوفاك دجوكوفيتش، حيث قامت الطبيبة بعلاجه من إصابته قبل بطولة أستراليا المفتوحة للتنس وخاض ٦ مباريات في ١١ يوما وتوج باللقب في النهاية.
سواء نجح لوكا في التعافي من إصابته والعودة قبل نهائي الكأس ومواجهة السيتي أو لم يلحق، عدم استسلامه للإصابة والرغبة في العودة سريعا وفعل كل شيء ممكن وغير ممكن، يفسر طريقة تفكير اللاعب العجوز بعقلية مراهق صغير في أوائل العشرينات لديه الكثير من الطموحات لم تتحقق بعد!
الكرة الذهبية ليست نهاية الطريق
كيف وصلنا إلى هنا؟ الشخص الذي راهن الجميع على نهايته في ٢٠١٨، هو من أول من كتب نهاية سيطرة الثنائي الأسطوري ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو على الكرة الذهبية، فاز بجائزة أفضل لاعب في كأس العالم بعد أكبر إنجاز دولي في تاريخ بلاده، انهار بدنيا بعد البطولة وكان على مشارف الرحيل عن ريال مدريد والانتقال إلى إنتر ميلان بمقابل زهيد.
ومع تحقيقه للقب دوري أبطال أوروبا في نفس العام مع ريال مدريد، كانت ستكون فرصة مناسبة لنهاية مسيرته مع النادي وترك ذكرى جيدة في المستقبل، هذا ما يحدث عادة مع اللاعبين في نهاية مسيرتهم، لكنها كانت البداية وما زالت للقصة فصول جديدة.
تحد جديد للوكا مودريتش يريد من خلاله إعادة اكتشاف نفسه من جديد، استعان بمدرب خاص وزيادة عدد ساعات تدريبه اليومية مع النادي وبشكل فردي، ، السير على نظام غذائي صارم والالتزام بمواعيد النوم، عدة أمور قام بها لوكا تبدو صارمة بالنسبة للشباب والكبار، لكنها أصبحت روتينا معتادا بالنسبة للعجوز الكرواتي.
ظهر بوجهه الطفولي، ومستواه في الملعب كذلك والذي لا يعبر على الإطلاق عن عمره الحقيقي، كأحد قادة ريال مدريد داخل الملعب وفي غرفة الملابس، رجل المواعيد الصعبة القادر على فعل كل شيء في أرضية الملعب، يدافع ويهاجم ويضغط ويرفع ويخفض النسق كما يريد، قادر على تخليص فريقه من أي ضغط، مثلما حدث في الهدف الثاني في مباراة ريال مدريد وباريس عندما اعترض مسار تمريرة نيمار ودفع فريقه كله للأمام بتمريرة لفينسيوس أعادها له من جديد وصنع لكريم بنزيما هدف العودة.
وقادر بلمسة سحرية على صناعة المستحيل، كتلك التي منحها لرودريجو في مباراة تشيلسي في دوري الأبطال 2022 والتي أعادت ريال مدريد إلى الحياة من جديد في طريق النادي نحو لقب دوري الأبطال الرابع عشر.
ومن رحيل محتمل عن ريال مدريد بعد الكرة الذهبية، مرت 4 سنوات ولوكا مودريتش هو الماسة التي تزين تاج الملكي، اللاعب الذي لا يعوض، لا يشارك كبديل مع تقدمه في العمر، بل هو اللاعب الذي ليس له بديل حتى الآن.
قاد النادي للفوز بدوري أبطال أوروبا والليجا وكل البطولات الممكنة بعد 2018، عدا تلك البطولة الأصعب على الاطلاق والتي تأبى الخضوع أمام شخصية البطل، كأس ملك إسبانيا، وبسيناريو خرافي في تلك النسخة على غرار دوري الأبطال بسلسلة من الريمونتادا ضد فياريال وأتلتيكو مدريد وفوز 4-0 على برشلونة في كامب نو، يرغب لوكا في التعافي سريعا والمساهمة في الحصول على البطولة للمرة الثانية في مسيرته.
يلعب كل يوم وكإنه يومه الأول في الملاعب، لم يحقق شيء بعد، حقق أكبر إنجاز في تاريخ بلاده والحصول على المركز الثاني في كأس العالم وفوزه بأفضل لاعب في البطولة؟ فرصة مناسبة للاعتزال الدولي والتركيز مع فريقه والحفاظ على حالته البدنية، لا مشكلة، سيعود بعد ٤ سنوات ويصعد للمربع الذهبي مجددا والحصول على البرونزية، ولم تأت الفرصة أيضا للاعتزال الدولي، فهناك طموح آخر في دوري الأمم الأوروبية بعد الصعود للمربع الذهبي، وربما يورو ٢٠٢٤ فمن يدري، ومن لديه القدرة على الرهان وتخمين موعد نهاية لوكا!
لم يمنح الفرصة لجماهير ريال مدريد لتخيل الحياة ما بعد لوكا مودريتش، لحظة النهاية قادمة لا محالة، لكنه الآن لا يزال بنفس شغف شاب في العشرينات فدعنا ننتظره أمام مانشستر سيتي، وفي نهائي كأس الملك، وربما الفوز بدوري أبطال أوروبا للمرة السادسة في حياته أو أكثر، فـ “ليش منتلفت خايفين”.