لا صوت يعلو في الساعات القليلة الماضية فوق صوت الخبر الذي زلزل الوسط الرياضي في العالم أجمع وتصدر عناوين جميع الصحف والمواقع الرياضية، بعدما أبلغ أسطورة برشلونة ليونيل ميسي مدرب فريقه الجديد الهولندي رونالد كومان برغبته في الرحيل عن البارسا في فترة الانتقالات الصيفية الجارية.
ويبدو أن ميسي فاض به الكيل من تصرفات رئيس النادي بارتوميو ومجلس إدارته، بسبب التخبط الإداري والذي ألقى بظلاله على فريق الكرة الذي يتواجد على حافة الإنهيار عامًا تلو الآخر.
كوارث أوروبية
تعرض برشلونة لهزيمة قاسية ستظل عالقة في الأذهان على مر التاريخ، بأكبر خسارة في تاريخ ربع نهائي دوري الأبطال أمام بايرن ميونخ بنتيجة 8-2، وهي القشة التي قصمت ظهر البعير!
برشلونة ودع مسابقة دوري أبطال أوروبا من الدور ربع النهائي لثلاث مواسم على التوالي بسيناريوهات كارثية، بداية من الهزيمة ضد أتلتيكو مدريد في 2016، ويوفنتوس 2017 بالهزيمة بثلاثية نظيفة، والريمونتادا الشهيرة أمام روما بعد الفوز ذهابًا في كامب نو بأربعة أهداف مقابل هدف، والهزيمة في الإياب بثلاثية نظيفة.
انتهت عقدة ربع النهائي، وصعد برشلونة للمربع الذهبي، فاز بثلاثية نظيفة في كامب نو على ليفربول وبدى أن العقدة في طريقها للانتهاء، خاصة أن ليفربول سيلعب مباراة الإياب بدون نجميه محمد صلاح وفيرمينو، لكن السيناريو الأسوأ لجماهير البارسا قد حدث، وفاز ليفربول برباعية نظيفة.
في كل مرة كنا نعتقد أنه لا يوجد ما هو أسوأ، بعد الهزيمة أمام روما، حدث الأسوأ في الليلة الكارثية في أنفيلد أمام ليفربول، وقتها لم نجد أي رد فعل من إدارة بارتوميو التي جددت الثقة في فالفيردي ولم تحدث الثورة المنتظرة لتجديد دماء الفريق. ليحدث الأسوأ على الاطلاق –ربما- في لشبونة والخسارة بثمانية أهداف ضد بايرن.
حافة الانهيار
وبحديثنا عن الكوارث الإدارية من بارتوميو، كان ميسي البطل الخارق الذي يصنع ويسجل الأهداف ويفعل كل شيء في أرض الملعب مما ساهم في استمرار هيمنة البارسا المحلية، ومحاولة إنقاذ الفريق من الوصول لهذه المرحلة.
ويبدو أن ما فعله ميسي في المسابقات المحلية، والاعتماد عليه بشكل كلي، كان مجرد مسكنات وأغفل الجميع عن المشاكل الكبيرة الموجودة في الفريق والتي كانت تظهر في المباريات الحاسمة بدوري الأبطال والتي تتزامن بالطبع مع انخفاض المردود البدني في نهاية كل موسم.
برشلونة لم يحسن استغلال وجود ميسي ضمن صفوفه والاستفادة منه بأكبر شكل ممكن بعد بلوغه عامه الثلاثين، ومساعدته بلاعبين آخرين صغار في السن ولديهم دافع أكبر للنجاح، ويكون ميسي قريبًا من المرمى لتقديم الهدايا لزملائه بصناعة الأهداف، أو القيام بهوايته المفضلة وهز شباك الخصوم بكل الطرق الممكنة.
وبنهاية الموسم الجاري، انتهت فعالية “مسكنات ميسي”، وفقد برشلونة هيمنته المحلية بخسارة لقبي الدوري وكأس السوبر لصالح الغريم التقليدي ريال مدريد، كما ودع كأس ملك إسبانيا من الدور ربع النهائي أمام أتلتيك بلباو.
نداء استغاثة وصوت صرصور الحقل
اعتادنا خلال السنوات الماضية على مشاهدة ميسي في صورة الشاب المسالم البعيد عن الأضواء، لا يتحدث كثيرًا لوسائل الإعلام، لم يدخل في صدام أو تراشق بالالفاظ مع أي شخص.
لكن الأمر بدأ يتغير بشكل تدريجي بوجود بارتوميو ومجلس إدارته، ميسي يخرج بتصريحات عديدة، وقف في وجه إريك أبيدال المدير الرياضي السابق وطالبه بتحمل مسؤولية قراراته عقب الاطاحة بالمدرب الأسبق إرنستو فالفيردي، كما طلب منه ذكر أسماء اللاعبين المتخاذلين –على حد وصفه- وعدم التحدث عن زملائه بهذه الطريقة.
رئيس النادي يبدو أنه يستخدم المنصات الإلكترونية في مهاجمة بعض اللاعبين، والنادي يعاني من مشاكل اقتصادية ناتجة عن تفشي فيروس كورونا، ومع الحديث عن رفض اللاعبين تخفيض رواتبهم، خرج ميسي ببيان ناري أكد من خلاله وبصفته قائد الفريق موافقة جميع اللاعبين على تخفيض رواتبهم بنسبة 70%، وانتقد الأشخاص الذين يروجون لأخبار خاطئة إلى وسائل الإعلام.
ومع تأكيد العديد من التقارير الصحفية على نية ميسي عدم تجديد عقده مع برشلونة الذي سينتهي في الصيف المقبل 2021، لم يدرك أصحاب القرار في برشلونة حجم الأزمة، وثقة مفرطة بحديثهم عزم ميسي الإعتزال في كامب نو، وغض النظر عن المشاكل الموجودة بدون أي تدخل.
ويبدو أن الأمر لم يعد مجرد ورقة ضغط على الإدارة لتقديم استقالتها، بعدما حددت موعد الانتخابات في مارس المقبل، ميسي يرى نفسه جديًا خارج برشلونة في الموسم المقبل حسبما أبلغ مدربه الجديد رونالد كومان في الاجتماع الأخير بين الطرفين.
كيف يستفيد برشلونة من رحيل ميسي؟
تحدثت وسائل الإعلام في الساعات الماضية عن رغبة ميسي في الرحيل عن برشلونة، وتوقع الوجهة المحتملة التي تناسب النجم الفائز بالكرة الذهبية 6 مرات.
دعنا نتفق في البداية أن ميسي لا يقدر بثمن، وبوجود شرط جزائي يقدر بـ 700 مليون يورو، والذي يعتبر مستحيل على أي فريق في العالم دفعه، سيحاول البارسا إقناع ميسي بالاستمرار بشتى الطرق الممكنة، لكنه لن يقف في طريقه إذا صمم على الرحيل.
ويبقى الواقع الآليم بالنسبة لجماهير برشلونة، أن ميسي – البالغ من العمر 33 عامًا – سيرحل عاجلًا أم آجلًا، لذا على النادي التفكير في مرحلة ما بعد ميسي، وتحقيق أقصى استفادة ممكنة.
رغبة ميسي في الرحيل قد يقابلها تقدير من إدارة برشلونة لأسطورة النادي، ومنحه حق تقرير مصيره وإنهاء عقده بدون الحصول على أي مقابل كما حدث مع نجوم النادي السابقيين، أو التفكير بشكل مختلف وتحديد سعره بمبلغ يتراوح بين 100 – 150 مليون يورو لأي فريق يريد ضمه قبل عام من نهاية عقده.
إذا قرر برشلونة تحقيق الاستفادة المادية من رحيل ميسي لإنعاش خزينة النادي الذي لم يتخط أزمة كورونا حتى الآن، والمساهمة في تدعيم الفريق بصفقات جديدة للمستقبل، كما أنه سيوفر الراتب السنوي الضخم للبرغوث.
ومع رغبة برشلونة في التخلص من العديد من النجوم الكبار مثل سواريز وأومتيتي وغيرهم أصحاب الرواتب الضخمة، سيساهم في بناء مشروع جديد للنادي بوضع حد أقصى وسلم رواتب للاعبين، وهي المشكلة التي يعاني منها برشلونة كأكثر الأندية دفعًا للرواتب في العالم.
وجهة ميسي المحتملة؟
تحدٍ جديد في الدوري الإنجليزي الممتاز، السيناريو الأقرب والأكثر منطقية سيكون انتقاله لمانشستر سيتي واللعب تحت قيادة مدربه السابق وأستاذه بيب جوارديولا، مع فريق يملك قائمة مميزة من اللاعبين، وقدرة مالية كبيرة تساعدهم على دفع راتب ميسي الضخم.
انتقال ميسي إلى مانشستر سيتي سيؤثر على مصير بعض اللاعبين المتواجدين في مركزه، على رأسهم بيرناردو سيلفا والجزائري رياض محرز.
وقتها يمكن لبرشلونة التفكير في استفادة مشتركة لجميع الأطراف، باتفاق ودي مع السيتيزين في الحصول على البرتغالي المميز بيرناردو سيلفا.
قد يفكر ميسي في الانتقال إلى باريس سان جيرمان بجانب صديقه نيمار من جديد، الذي طالب بإعادته إلى برشلونة في الموسم السابق. حيث يملك باريس تشكيلة مميزة من اللاعبين، ويفوز بالمسابقات المحلية دون عناء يذكر، بجانب القوة المالية التي ستساعدهم في تلبية مطالب البرغوث.
ويبقى إنتر أخر الخيارات التي قد يفكر بها ميسي، على الرغم من حديث وسائل الإعلام الإيطالية خلال الشهور الماضية عن حلم النيراتزوري وملاكه الصينيين في التعاقد مع الأسطورة الأرجنتينية، إلا أن فكرة اللعب بدوري صعب مثل الدوري الإيطالي مع إنتر تحت قيادة كونتي وإدارة أرسلت بالخطأ خطة النادي في سوق الانتقالات إلى أحد الصحف، سيعاني ميسي هناك بدنيًا وذهنيًا، خاصة بعد فترته الأخيرة الصعبة مع برشلونة.