قصص كأس العالم – إيطاليا أخفت الكأس داخل صندوق أحذية بسبب الحرب العالمية
يأخذك 365Scores في جولة خفيفة بين حكايات وقصص كأس العالم عبر العصور، لاستكشاف كواليس منسيّة وأحداث كانت سببًا في جعل كأس العالم هو البطولة الأضخم بين مختلف البطولات المعترف بها الآن، والبطولة الوحيدة التي تشهد صمت العالم بأثره للالتفاف حول بؤرة ما تنير في إحدى بقاع الأرض كل 4 أعوام فقط.
وبالحديث عن كأس العالم، يقتحم ذهنك تساؤل حول الفترة الزمنية الشاغرة التي سقطت من تاريخ المونديال بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، ألا وهي الفجوة بين عامي 1938 وحتى 1950، فماذا حدث في تلك الفترة ياترى ؟
كانت النسخة الأخيرة من كأس العالم قبل انطلاق الحرب العالمية الثانية، هي نسخة 1938 التي أقيمت في فرنسا، وخطف كأسها ( منتخب إيطاليا )، للمرة الثانية على التوالي بعد انتصاره على المجر في المباراة النهائية بنتيجة 4\2.
وبعد إسدال الستار على تلك النسخة، توقفت ملاعب أوروبا بالكامل عن العمل، وتوقف معها الصافرات والهتافات وصيحات الجماهير هنا وهناك والأجواء الحماسية المُسلية، ليعلو بدلًا منها أصوات البنادق والرصاصات ويصبح الدمار هو السيد في كل مكان!
الشرارة الأولى للحرب العالمية الثانية.. وتحالف ألمانيا (هتلر) مع إيطاليا
في صباح الأول من سبتمبر عام 1939، كان العالم على موعد مع الشرارة التي اشعلت فتيل الحرب العالمية الثانية، وقتها سيطرت قوات ( هتلر ) النازية على الأخضر واليابس في عدد كبير من دول أوروبا.
ذلك الوقت الذي تزامن مع احتفالات الجماهير في إيطاليا التي لم تتوقف منذ الظفر بالكأس الذهبية الثانية على التوالي التي حصل عليها منتخب بلادها، حيث توّج بكأس العالم مرتين عام 1934 و1938 ليصبح بذلك المنتخب الأول الذي ينجح في الاحتفال بالكأس الذهبية في نسختين متتاليتين.
في تلك الفترة، كانت قوانين ( فيفا ) تنص على أن البلد التي يفوز منتخبها بلقب كأس العالم، يتعين على اتحاد الكرة فيها الاحتفاظ بالكأس الذهبية حتى موعد إقامة النسخة التالية، وهذا ما فعله الاتحاد الإيطالي بالفعل.
البروفيسور ( أوتورينو باراسي )، وهو نائب رئيس الاتحاد الإيطالي لكرة القدم حينها، كان شاهدًا على ما يدور في بلاده، بصمت شديد وهدوء مبالغ، في محاولة للرد على تساؤل كان حديث غالبية اجتماعات اتحاد الكرة في إيطاليا وقت اندلاع الحرب.. ( أين سنخفي الكأس الذهبية ؟ ).
فكر المسؤولون في الاتحاد الإيطالي في البداية، في إرسال ( الكأس الذهبية ) داخل صندوق إلى أحد البنوك الشهيرة في روما، وتم وضعه كوديعة في البنك لفترة، حيث حٌفظ في قبو شديد الحراسة بداخله.
الفكرة الأشد غرابة لتأمين كأس العالم وإخفائه عن الجميع
لكن عندما علم ( أوتورينو باراسي ) أن قوات ( هلتر ) النازية تحالفت مع إيطاليا، وبدأت تتقدم أكثر فأكثر للسيطرة على بلاده، بدأ شيء ما في قلبه يشعر بالفزع، كان يفكر دائمًا بأن هتلر إذا سيطر على البلاد لن يترك شيئًا إلا ويضع قبضته عليه.
وهنا جاء دور ( اوتورينو ) العظيم، حين همّ في فجر أحد الأيام وذهب بنفسه إلى البنك الذي يوجد بداخله كأس العالم، وقرر أخده في سرية تامة دون أن يعلم أي أحد، ليصبح من الآن وصاعدًا في حوزته.
قد تظن أن (باراسي) طمع في الكأس الذهبية، خاصة بعد الحيلة الأكثر غرابة التي اعتمد عليها لإخفاء كأس العالم عن الجميع بما في ذلك قوات هتلر النازية!
حيث لجأ إلى صندوق أحذية خشبي قديم، وبعدما أفرغ كافة محتوياته، همّ بتغليف الكأس الذهبية بورق الجرائد ووضعه في الصندوق ثم أعاد ترتيب المحتويات التي أفرغها بانسيابية بداخل الصندوق مُجددًا.
(باراسي) وضع الصندوق أسفل فراشه داخل غرفة نومه، ليحتفظ بكأس العالم داخله حتى شارفت الحرب العالمية على الانتهاء.
فرمان هتلر بالبحث عن الكأس الذهبية لتنظيم كأس العالم 1942!
استمر الوضع كما هو عليه، حتى استيقظ ( هتلر ) ذات مرة في أحد الأيام عام 1941، وفي ذهنة فكرة تنظيم بطولة كأس العالم في موعده الطبيعي، أي في عام 1942! لكن هل يُقام كأس العالم بدون كأسه الذهبية؟
فأصدر ( هتلر ) فرمانًا لقوات جيشه، بالبحث عن الكأس الذهبية استعدادًا لتنظيم البطولة في ألمانيا، هتلر أتخذ قرارًا وحدد مكان إقامة البطولة دون العودة إلى (فيفا) بالأساس!
الجيش الألماني لم يكن قادرًا على البحث بمفرده عن كأس العالم المفقود، فقرر الاستعانة بجهود منظمة ( إس إس ) التابعة للحزب النازي، كي يأخذ مهمة البحث عن الكأس بنفسه.
وبالفعل بعد التحريات اللازمة، توصلوا إلى إسم ( باراسي )، وسرعان ما ذهب جنود منظمة ( إس إس ) إلى المنزل الموجود به الكأس الذهبية، ليدور حديث شديد اللهجة بينهم وبين نائب الاتحاد الإيطالي الذي أنكر معرفته بمكان الكأس الذهبية.
حتى أنه أبلغهم بأن الاتحاد الإيطالي ربما يكون أرسله في رحلة إلى ( ميلانو ) لإخفائه هناك، لكن الجيش الألماني الذي كان يصاحب قوات ( إس إس ) في منزل ( باراسي ) تعمد تفتيش البيت شبر شبر!
وفي إحدى الروايات التي أكدها الكاتب الصحفي ( لوثيانو بيرنيكي ) في كتابه الشهير ( أغرب الحكايات في تاريخ المونديال )، فإن أحد ضباط الجيش الألماني فتّش غرفة نوم ( باراسي ) ونظر أسفل فراشه بالفعل كما أنه وجد الصندوق الخشبي!
لكنه سرعان ما همّ من مكانه سريعًا ليؤكد للجنود بأن الكأس الثمينة ليست في هذا المنزل، حيث لم يخطر على باله مُطلقًا أن أحدهم قد يضع كأس العالم في صندوق أحذية أسفل فراشه!
ماذا حدث للكأس الذهبية بعد تلك الليلة ؟
حين جاء عام 1943، سقطت ألمانيا بسبب ضربات متتالية من قِبل دول الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، حتى انهارت تمامًا رفقة حليفتها ( إيطاليا )، حيث استسلمت الأخيرة أيضًا وتم احتلالها!
في تلك الفترة، استقر ( باراسي ) على إخراج كأس العالم من مخبأه أخيرًا لتسليمه إلى الاتحاد الإيطالي الذي عمل بدوره على تسليمه بأمان إلى أيدي المحامي ( جيوفاني ماورو ) نجم كرة القدم الإيطالية السابق.
جيوفاني سلك رحلة جديدة لتسليم الكأس الذهبية إلى يد صديقه المقرب ( ألدو تشيفيني ) وهو أحد لاعبي فريق ميلان السابقين، الذي قام بالاحتفاظ بالكأس داخل منزله في الريف -لابتعادها عن أماكن الحرب- لمدة 4 سنوات إضافية.
وبعد انتهاء الحرب العالمية عام 1945، احتاج الأمر لعامين إضافيين كي تُنفض قارة أوروبا بالكامل كل تلك الفوضى التي أحدثتها الحروب، وفي عام 1947، سلّمت إيطاليا كأس العالم رسميًا إلى ( فيفا ) بعدما تم إعلان عودة كرة القدم وإعادة الروح لبطولة كأس العالم لتقام في البرازيل عام 1950.
فيما بعد عرف الاتحاد الدولي لكرة القدم ( فيفا ) بالدور البارز الذي فعله (باراسي)، وتقرر تكريمه بمنحه مهمة مساعدة دولة البرازيل في تنظيم بطولة كأس العالم 1950، بعد ذلك عُين (باراسي) عضوًا في اللجنة التنفيذية لـ (فيفا) واحتفظ بهذا المنصب حتى وفاته عام 1971.