فينيسيوس جونيور.. حان وقت فوزه بالكرة الذهبية
في الشوارع والأحياء الفقيرة، هنا تلعب كرة قدم أخرى غير التي نشاهدها في التلفاز، شباب حفاة القدمين أسفل كوبري أو على أرض صلبة، يركضون خلف الكرة وفقا لقوانين صارمة وعنف شديد، لا مجال للجبناء عليك أن تنهض وتلعب كالرجال، حتى لو كسرت رجلك إلى نصفين، ستعود لتعلم منافسك درسا لن ينساه، بمهارة ومراوغة تهينه وتنتزع الآهات من الجماعة التي تحاوط الملعب كالجماهير في ملاعب كرة القدم المحترفة، وأن ترد الدين لمن حاول كسر قدمك بتدخل أشرس “والله لأبطلك كورة، وهنلعب من غير حكم مش هعتمد حكام”.
العديد من المواهب برزت في تلك الظروف واشتهروا بين ابناء منطقتهم وفي الأحياء المجاورة، والحديث عن مهارات ذلك الشخص، “ياااااه لو لعب في نادي محترف” ده أحرف من كل النجوم الكبار في فريقهم المفضل على المستوى الاحترافي.
ونجوم آخرين انتهت مسيرتهم التي لم تظهر للنور، بسبب إصابة على أرض صلبة منعته من الذهاب للاختبارات في ذلك النادي الكبير.
المجد كل المجد لكرة الشوارع، جميعنا نملك ذكريات لا تنسى في طفولتنا، وانتهت مسيرة كل مشروع لاعب عظيم قبل أن تبدأ، وقبل عصر الأكاديميات وكرة القدم الحديثة.
فينيسيوس جونيور واحد مننا
الآن، ذاع صيت شخص مثلنا، لعب كرة القدم في الشوارع، ومنها إلى قمة كرة القدم مع أفضل نادي في العالم ريال مدريد.
فينيسيوس هو تجسيد واضح لما تحدثنا عنه في البداية، لاعب كرة قدم برز في الشارع، عند منبع المهارات وراقصو السامبا، هناك راوغ وتعرض للعنف ولم يعترف بتلك القواعد، سجل ورقص واستمتع بسحر المستديرة واتخذ خطوة احترافية في فريق كرة قدم حقيقي، شارك لأول مرة مع فريق فلامنجو الأول في سن السادسة عشر، وبعد فترة قليلة صعد على عرش كرة القدم بانتقال إلى ريال مدريد بمقابل يزيد عن 40 مليون يورو!
كيف لريال مدريد يضم مراهق بهذا المبلغ وهو لم يثبت نفسه مع الكبار، لم يثبت مكانه مع فريق فلامنجو الأول، حتى أرقامه كانت ضعيفة جدا ولا تبشر بأي شيء، فقط تألقه مع منتخب البرازيل تحت ١٧ عاما ضد مراهقين من نفس عمره، هل يشفع لريال مدريد بالمغامرة بمبلغ كبير لضمه! أم هوس فلورتينو بيريز بالبرازيليين بعد ضياع صفقة نيمار قاده للجنون بالبحث عن أي برازيلي آخر!
ليس كريستيانو رونالدو الجديد
أتم فينيسيوس انتقاله إلى ريال مدريد في صيف 2018، وتزامن ضمه مع نفس وقت رحيل أسطورة النادي كريستيانو رونالدو، الشاب الصغير انضم ليلعب في الفريق الثاني “الكاستيا”، لكن في منتصف الموسم مع تراجع متسوى اللاعبين الكبار والنتائج السيئة مع لوبيتيجي وسولاري، بدأت مسيرة فيني مع الفريق الأول بالقميص رقم 28.
وبمجرد تثبيت مكانه مع الفريق الأول، بدأت المقارنات من الصحافة والجماهير، هل هذا المراهق هو من سيعوض الهداف التاريخي لريال مدريد؟ إنه بالكاد يسدد الكرة على المرمى ويهدر العديد من الفرص، وتعرض للعديد من الانتقادات حتى وصل الأمر بأن الجماهير اطلقت عليه صافرات استهجان!
لكنه كان يلعب كرة القدم التي تعود عليها بعيدا عن أكاديميات تأسيس اللاعبين وتعليمهم المهارات الأساسية من الاستلام والتسليم والتسديد على المرمى، ثم النضج التكتيكي وما شابه. شاهدت فينيسيوس يركض ويفوز بسباقات السرعة، يراوغ أي لاعب، يخوض أول كلاسيكو في كامب نو ويتساقط لاعبو برشلونة تحت أقدامه، بيكيه وسيميدو وراكيتيتش وغيرهم في ذهاب نصف نهائي كأس الملك موسم 2018/2019، مواجهة انتهت بالتعادل 1-1، قبل أن يكرر فيني الأمر في مباراة الإياب لكنه أضاع العديد من الفرص في مباراة فاز بها برشلونة 3/0، وتوجيه الانتقادات للشاب الصغير على الفرص المهدرة!
انتقادات كادت أن تقضي على مسيرته قبل أن تبدأ، التركيز على اهدار الفرص وقراره الأخير السيء، وتعويض كريستيانو رونالدو في وقت يعاني فيه الفريق ككل حتى الكبار!
لا تمرر له إنه يلعب ضدنا
تعرض فينيسيوس لإصابة قوية أمام أياكس أبعدته عن الملاعب عدة أشهر، رحل سولاري وعاد أسطورة النادي زين الدين زيدان وسط وعود بالتغيير وصفقات جديدة وضم إيدين هازارد -أغلى صفقة في تاريخ النادي- عاد فينيسيوس من الإصابة ولم ينل ثقة زيزو الذي أجلسه على مقاعد البدلاء،
توقف تطور فيني في عهد زيدان، فقط كان يشارك لأن أغلى صفقة في تاريخ النادي أتخذ المستشفى سكنا وملاذا له واشتهى البرجر والوجبات الشهية ولم يستطع الحفاظ على لياقته.
ومع معاناة فينيسيوس من أزمة ثقة، قام أحد قادة الفريق –كريم بنزيما– بتدميرها في لقطته الشهيرة داخل نفق الملعب عندما تحدث بالفرنسية مع مواطنه فيرلاند ميندي وطالبه بعدم التمرير لفينيسيوس لإنه يلعب ضدنا، حتى زيدان قام بتبديله بعد عدم تمرير اللاعبين الكرة له بالفعل في الشوط الثاني.
هدف شهير ضد أوساسونا سجله من خارج منطقة الجزاء وارتطمت في أحد اللاعبين، انفجر بالبكاء في الملعب للتخلص من الضغط، حتى وصلنا للمشهد الحالي وهو يتخلص من أي خصم بمهاراته المبهرة.
امسكوا الحصان
رحل زيدان وجاء أنشيلوتي، ما بين المرحلتين لم يستمتع فينيسيوس بإجازة الصيف مثل البقية، برازيلي بعقلية أوروبية، تدرب أكثر في العطلة الصيفية وطور من لياقته البدنية، كانت الصور والفيديوهات لتواجده في الجيم هي المشهد المعتاد على حساباته الشخصية، في وقت يتواجد النجوم على الشواطيء، يتدرب أكثر على إنهاء الفرص، فعلها معه زيدان بشكل فردي، وتوحش مع الدون كارلو.
نصيحة أنشيلوتي الأولى لفينيسيوس عدم لمس الكرة أكثر من مرتين أو ثلاثة داخل منطقة الجزاء، شارك كأساسي حتى مع خروج هازارد من المستشفى جلس على مقاعد البدلاء، مع بداية انفجار المراهق الصغير عندما شارك كبديل في مباراة ليفانتي وأنقذ ريال مدريد من الهزيمة بتسجيله هدفين في المباراة التي انتهت بالتعادل 3-3.
هنا، صورة شهيرة للفنان المصري كريم عبد العزيز في أحد أفلامه الكوميدية عندما سقط من فوق الحصان الذي ظل يركض وخرب مؤتمر انتخابي وسقط كل شيء في الصوان، وصرخ الفنان المصري بجملته “امسكوا الحصان” ورددها أبطال الفيلم.
هذا هو فينيسيوس، الحصان الذي نزع اللجام، فقط يركض بأقصى سرعة، والخصوم يتساقطون أمامه، يراوغ كل من يعترض طريقه مهما كان عددهم، يصل للمرمى وتحسنت لمسته الأخيرة وقراراته في مناطق الحسم، يسجل ويصنع أكثر من 20 هدفا للموسم الثاني على التوالي ويظهر في الأوقات الحاسمة في دوري الأبطال وأمام كل الكبار، هنا لم نصبح أمام لاعب عادي، ما يفعله سيجعله يصعد على مسرح “دو شالتي” حاملا الكرة الذهبية لا محالة!