كارثة هيلزبره.. عندما توفى 96 مشجعًا في ملعب كرة قدم!
أن تتوجه إلى ملعب مباراة لمتابعة فريقك المفضل بتشجيع جنوني، فتجد نفسك في نهاية المطاف مُجرد جثة هامدة على عشب أخضر في ملعب مُحاط بالسياج الحديدي من كُل مكان في منظر يُشبه السجون تمامًا!
كارثة هليزبره هي واحدة من أسوء الكوارث المأساوية التي وقعت في ملاعب كرة القدم، وأثير حولها الشكوك وأحيط بها الألغاز لمدة 23 عامًا كاملين حتى تحققت العدالة!
ما هي كارثة هيلزبره وماذا حدث؟
حدد الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم يوم 15 أبريل من عام 1989 لتقام مواجهة نارية بين ليفربول ونوتنجهام فورست في دور نصف النهائي لبطولة كأس الاتحاد الإنجليزي، لكن يجب التنويه هنا أن في تلك الحقبة كان هناك منافسة استثنائية بين ليفربول ونوتنجهام محليًا وأوروبيًا أيضًا على مختلف البطولات.
Tom Werner lays a wreath at the Hillsborough memorial at Anfield ahead of today's game. pic.twitter.com/p9H6aodAVG
— Liverpool FC (@LFC) April 14, 2024
لكن الاتحاد الإنجليزي وجه صدمة كُبرى لجماهير الناديين بعدما قرر إقامتها على ملعب فريق شيفيلد وينزداي والمعروف بإسم “هيلزبره”، الصدمة كانت في أن الملعب لا يتسع إلا لـ 35 ألف متفرج فقط، والمباراة بين فريقين يتمتعان بالجماهيرية من عمالقة إنجلترا في ذلك الوقت!
الصدمة الثانية كانت في تخصيص المدرج الأيمن فقط لأنصار ليفربول، هذا المدرج كان يتسع لاستضافة 16 ألف مشجع فقط، وهذا يعني أنه لن يتناسب على الإطلاق مع أعداد جماهير الريدز الغفيرة التي تساند فريقها في كل مكان دون تعب أو ملل.
في إنجلترا، كان السائد عند تصميم ملاعب كرة القدم، أن يتم إحاطته بالكامل باستخدام سياج حديدي يفصل بين مدرجات الجماهير وأرضية الملعب، بسبب انتشار ظاهرة الهوليجانز أو المشجعين الذين يميلون إلى العنف وأعمال الشعب في تلك الفترة.
وفي يوم المباراة، كان هناك طريق وحيد أمام سُكان مقاطعة الميرسيسايد، وهو المؤدي إلى ملعب اللقاء، هذا الطريق شهد أعمال صيانة مفاجأة أدت إلى تعطيل حركة المرور لساعات طويلة تسبب ذلك بالطبع في تأخر وصول 3 ألاف من مشجعي جماهير ليفربول قبل انطلاق المباراة بوقت مناسب.
المفاجأة أيضًا، أن الشرطة وقوات الأمن المنظم للمباراة لم يتواجد في أماكنه عند البوابات، ما أدى إلى دخول جماهير ليفربول بشكل غير مٌنظم، وبسبب انطلاق المباراة في الساعة الثالثة، تدافعت الجماهير بقوة وبشكل سريع للغاية لتملئ المدرج الأيمن عن آخره.
لم يمر سوى 3 دقائق فقط من المباراة، ففي الدقيقة الثالثة والثانية السادسة تحديدًا، توقفت المباراة بشكل مفاجئ بعد سماع دوي صراخ شديد قادم من المدرج الأيمن، بسبب كثرة ضغط أعداد الجماهير هناك تسبب ذلك في التصاق المتواجدين في مقدمة المدرج بالسياج الحديدي بشكل مأساوي.
تدخلت الشرطة وقوات الأمن بشكل متأخر عندما قررت فتح السياج الحديدي لتسمح لأعداد كبيرة من المشجعين بالدخول إلى أرضية الملعب، لكن تلك الدقائق التي تأخرت فيها الشرطة تسببت في وفاة 96 شخصًا وإصابة ما يزيد عن 770 مشجع ليفربولي!
خرجت كافة الصحف الإنجليزية بنفس المانشت، حين عنونت أغلفتها بعبارة: “فاجعة وكارثة في إنجلترا”، عدا صحيفة “ذا صن” التي وضعت السم في العسل ووجهت أصابع الإتهام لجماهير ليفربول وحمّلتهم نتيجة ما حدث!
الأمر الذي جعل جماهير الريدز تتجاهل الصحيفة وتُقاطعها لأعوام طويلة، وحتى الآن لا يُفضل مشجع ليفربول النظر لأوراق تلك الصحيفة على الإطلاق.
“تاتشر العجوز الشريرة” تتولى التحقيقات بنفسها في كارثة هيلزبره!
مارجريت تاتشر أو تاتشر العجوز الشريرة مثلما يصفها جماهير ليفربول حتى يومنا هذا، هي رئيسة وزراء بريطانيا خلال فترة وقوع كارثة هيلزبره.
ماذا فعلت تاتشر ليصفها جمهور ليفربول بالعجوز الشريرة؟، تاتشر خلال توليها التحقيقات في كارثة هيلزبره، قامت بعد أيام قليلة من وقت الحادثة بإصدار أغرب تصريح قد تسمعه على الإطلاق، حين وجهت الإتهام الأول في تلك الحادثة لجماهير ليفربول أنفسهم، حين قالت بأنهم وراء الحادثة.
لم تكتفِ تاتشر بإتهام الجماهير لكن أيضًا قالت في تصريح لن تنساه جماهير ليفربول: ” هؤلاء تناولوا الخمر والمسكرات بكثافة قبل انطلاق المباراة وكانت هذه النتيجة “.
بعد إدعاءات تاتشر المخزية، تم تعيين اللورد “بيتر موراي تايلور” لمباشرة التحقيقات بدلًا منها؛ وبعد 30 يومًا بالتمام أصدر تقريرين عن الكارثة ليؤكد خلال الأول أن ملعب هليزبره لم يكن مؤهلًا بالأساس لاستضافة المباراة، بينما خصص الثاني لإدانة الشرطة ووصفها بالسيئة والغير مُشرفة على الإطلاق!
لكن جماهير ليفربول وأهالي الضحايا ونادي ليفربول نفسه لم يقتنعوا على الإطلاق بتقارير اللورد تايلور، ومنذ عام 1989 وحتى عام 2012، مارس الجميع بداية من أصغر مشجع لفريق ليفربول وصولًا إلى أكبر مسؤول داخل النادي الأحمر؛ شتى وسائل الضغط لتحقيق العدالة.
أن تشاهد مباراة لفريق ليفربول وترصد الكاميرات لافته مُدون عليها “العدالة من أجل الـ 96” وبجوارها لافتة أخرى مُدون عليها “لن تسير وحدك أبدًا” هذه الشعارات قد تجدها عادية جدًا، لكنها تُجسد مشهد “انتظار عودة الروح إلى الجسد” لدى جماهير حُمر الميرسيسايد كافة.
ظل الوضع كما هو عليه، حتى استيقظ مشجعو ليفربول يوم 12 ديسمبر عام 2012 على لحظات الحسم، لحظة أعادت الروح إلى العديد، أن تنتظر عدالة السماء لتأتيك بعد 23 عامًا بالتمام أمام أعين العالم باثره.
خرج رئيس الوزراء البريطاني “ديفيد كاميرون” صباح الثاني عشر من ديسمبر لعام 2012، ليُعلن أمام عدسات الكاميرات أمام العالم براءة جماهير ليفربول تمامًا من أحداث الشغب التي أدت إلى وقوع كارثة هيلزبره! مؤكدًا بأن الجماهير ذهبت ضحية افتراء مارجريت تاتشر!
لم يكتفِ بذلك فقط، بل أكد في بيانه أمام مجلس العموم البريطاني، أن الشرطة في هذا الوقت أخفت الأدلة والحقائق التي تُدينها بأنها السبب الرئيسي في وقوع كارثة هيلزبره! وأكد أن معايير اختيار ملعب المباراة افتقد للسلامة والأمان للمشجعين.
ديفيد كاميرون اختتم بيانه أمام مجلس العموم البريطاني بعبارات قاسية ومُلهمة في الآن ذاته، حين قال: ” أعتذر بشدة، بالنيابة عن هذه البلد كافة، أقدم اعتذاري العميق عن الظلم الذي تعرض له أسر الضحايا، كان ظلمًا مزدوجًا بالفعل، جماهير ليفربول لم تكن السبب في تلك الكارثة أبدًا “.
مواقف لن تُنسى في أعقاب كارثة هيلزبره!
بعد وقوع كارثة هيلزبره المؤلمة بـ 4 أيام، أقيمت مباراة جمعت فريقي ريال مدريد وميلان في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، وبشكل مفاجئ، قررت جماهير ميلان الوقوف والتكاتف في “الدقيقة الثالثة والثانية السادسة من المباراة” لغناء نشيد ليفربول الشهير “لن تسير وحدك أبدًا”.
تلك المباراة التي شهدت لفتة إنسانية أخرى من الحكم الذي أدار اللقاء، حيث قرر إيقافها تمامًا للوقوف دقيقة صمت وحداد على أرواح الضحايا من مشجعي ليفربول، صمت الجميع وتعالت أصوات جماهير ميلان بكلمات الأغنية الشهيرة “لن تسير وحدك أبدًا”.