فزورة كأس العالم.. من هو الحارس الذي عوقب بالسجن مدى الحياة بسبب هدف دخل مرماه ؟
” الآن إذا أخرجت رأسي من تلك الشرفة سيُقيموا عليّ الحد.. خطأ وحيد كان كفيل لوضعي أمام فوهة النار ليتم محاسبتي على خطأ لم أرتكبه أبدًا “
أب يجلس جوار نجله الصغير أمام التلفاز لمتابعة محاكاة عن مشوار منتخب البرازيل في كأس العالم على مر تاريخ البطولة، أتت لقطة رجل يقف أمام مرماه في ذهول.. ثابت لا يتحرك. الابن يتساءل من هذا.. فيجيبه والده: ” هذا الرجل الذي أبكى البرازيل بأكملها يومًا ما! “.
جلس الصغير أمام والده ليستمع لقصة ذاك الذي أبكى البرازيل بأكملها.. وعلامة الاستغراب كانت قد سكنت أرجاء وجهه تقريبًا.
كأس العالم 1950.. من حيث بدأ كل شيء!
كانت أوروبا تتعافى من آثار الحرب العالمية الثانية التي لم تترك شيئًا في مكانه، دمرت كل شيء تقريبًا حتى الاقتصادات في الدول الكبرى.. لم يبقِ أي شيء على حاله.. لذا فكر الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” أن الشيء الوحيد القادر على إعادة الروح للعالم هي كرة القدم.
لكن لإعادة الروح لبطولته الضخمة؛ كأس العالم مجددًا، كان لا بد من إيجاد بلد قادرة على تحمل كل تلك التكاليف وأخراج كل شيء بالصورة المطلوبة، لذا تم استبعاد أوروبا تمامًا من حسابات “فيفا” بسبب اقتصاداتها المدمرة.. ولجأ إلى أمريكا اللاتينية.
فازت البرازيل بملف استضافة كأس العالم نسخة 1950، لتتجه أنظار العالم نحو ريو دي جانيرو وأبناء القارة اللاتينية للمتابعة العرس العالمي في حلته الجديدة، وبعد توقف استمر لـ 11 عامًا.
قبل توقف كأس العالم كان أفضل مركز وصل له منتخب البرازيل هو المركز الثالث عالميًا، بعدما بدأ لاعبي السامبا يضعون أنفسهم على خارطة كرة القدم. لكن في 1950 كانت كرة القدم اللاتينية قد تفوقت بالفعل على أوروبا في الكثير.
حيث أن في الوقت الذي توقفت فيه كرة القدم لسنوات في أوروبا بسبب الحرب العالمية الثانية، أمريكا اللاتينية كانت تواصل السير نحو التطور مع استمرار الاعتماد على الجينجا في طريقة اللعب الخاصة بهم في ذلك التوقيت.
كان الجميع يضع منتخب البرازيل مرشحًا أول للفوز باللقب، وبالفعل قدم راقصي الساميا أدائًا استثنائيًا ومستويات غير عادية في نسخة كأس العالم 1950، حتى أن السيليساو نجح في التواجد في المباراة النهائية للمونديال.. لكن ماذا حدث ؟!
كارثة الماراكانا.. لعنة طاردت البرازيل في نهائي كأس العالم 1950
تقول الأسطورة: ” في عالم الجريمة ربما يأخذ أحدهم حكم يقضيه خلف الأسوار ومن ثم يخرج لرؤية النور.. لكن في البرازيل خطأ وحيد قد يضعك تحت الإقامة الجبرية إلى الأبد “.
يعشق سكان البرازيل كرة القدم.. وفي قول آخر، -ربما- يتنفس البرازيليين الكرة، لا غياب للكرة في أمريكا اللاتينية.. لذا فإن خسارة بطولة بحجم كأس العالم كانت تستحق أن تُسكت حتى صراخ الأطفال في شوارع البرازيل.
خسر السيليساو لقب البطولة التي طالما حلموا بها، وأمام جارهم اللاتيني منتخب الأوروجواي، وبهدف قاتل سكن مرمى الحارس الذي تسبب في بكاء البرازيل بأكملها يومها, وكان بطل تلك اللقطة والواقعة التي عُرفت بإسم “كارثة الماراكانا” سُميت الكارثة بإسم الملعب الذي شهد عليها بكل تأكيد..
بطل تلك والواقعة.. استقبل هدفًا قاتلًا في الدقيقة 79، بعدما كانت النتيجة 1-1 وهي التي تعني تتويج البرازيل بكأس العالم للمرة الأولى في تاريخها، حيث كانت تقام بطولة كأس العالم بنظام الدوري وحصد النقاط الأكثر.
أنطلق “جيجيا” لاعب الأوروجواي بالكرة من الناحية اليمنى من ملعب “الماراكانا” وصوب كرة صاروخية وجدت نفسها تسكن شباك البرازيل بكل إرياحية.
مواسير باربوسا حارس منتخب البرازيل في تلك المباراة، قال في فيلم وثائقي تم إعداده عن كارثة الماراكانا، أنه أعتقد أن “جيجيا” كان سيرسل كرة عرضية داخل منطقة الجزاء، لكن لاعب أوروجواي خدع الجميع بما في ذلك لاعبي منتخب بلاده، وصوب كرة صاروخية سكنت شباك السامبا.
سقط “باربوسا” وقتها أرضًا ولم يتحرك مُطلقًا، وسكن ملعب “الماراكانا” تمامًا.. الجميع في ذهول مما حدث.. 10 دقائق فقط وكانت البرازيل بأكملها ستدق الطبول وتملئ الميادين والشوارع عن بكرة أبيها فرحًا بحصد اللقب الأول من كأس العالم.. لكن هل تذوقت أبدًا مرارة فقد كل ما سعيت إليه دفعة واحدة وفي اللحظة نفسها؟! إن كنت لم تشعر أبدًا فقد شعر البرازيليين بذاك الشعور حينها!
تحولت الأفراح إلى بكاء ونحيب في كل أرجاء البرازيل.. خرجت الآلاف من ملعب الماراكانا ومن المقاهي والبيوت متفقين جميعًا على ضرورة معاقبة المتسبب في بكائهم جميعًا.. يجب عليهم محاسبة “باربوسا” الحارس الذي استقبلت مرماه الهدف.. والتجاهل مدى الحياة.. فظل باربوسا سجينًا في منزله لأكثر من 50 عامًا حتى وفاته.
باربوسا استمر في مسيرته بالطبع، لكن تم استبعاده من منتخب البرازيل بعد تلك الواقعة، وأنهى مشواره الكروي في عام 1962 في صمت تام، دون تكريم أو ما شابه. ومنذ ذلك الحين، تم نبذه تمامًا من الشعب البرازيلي والحكومة أيضًا، تذوق الفقر لسنوات حتى أنه عاش في منزل إحدى شقيقات زوجته.
في إحدى المرات عام 1993، طلب باربوسا من المسؤولين في اتحاد الكرة في البرازيل، حضور تدريبات منتخب بلاده، لكن الجميع رفض وجوده بحجة أنه يجلب النحس للمنتخب! حتى توفى باربوسا في أبريل 2000.