فانوس رمضان – وليد الركراكي “المُلهم” الذي لم يضع حدًا لأحلامه
في شهر رمضان المبارك تتزين الشوارع بالفوانيس، ويتهادى به الأحباء، هدية قيمة وثمينة تصنع بشكل مبتكر كل عام ليتماشى مع تطورات العصر وتظل قيمته مهما اختلف الزمن وتقول الأسطورة بأن له قدر من السحر على تحقيق المعجزات وتحويل الأحلام إلى حقائق وواقع ملموس.
هديتنا في رمضان ستكون فانوس يومي، في صورة لاعب أو مدرب كان له مفعول السحر في اسعاد جماهيره، وتقديم لهم البطولات على طبق من ذهب وادخل في قلوبهم سرور يساوي فرحتك بأول فانوس جلبه لك أحد والديك في طفولتك. وهي الفقرة اليومية طوال شهر رمضان على موقع 365Scores.
في الحلقة الرابعة من “فانوس رمضان”، سنكو في جولة مع المغربي المخضرم وليد الركراكي، صانع التاريخ مع منتخب المغرب، الملهم الذي لم يضع حدًا لأحلامه..
عندما تسأل أحدهم في يومنا هذا عن وليد الركراكي، سيرد قائلًا: هذا الرجل الذي جعل المغرب تحلم، قل له هذا الجواب خاطئ تمامًا.. الركراكي جعل العرب في سائر البلاد يحلمون!
هو رجل أربعيني أنيق من الدرجة الأولى، عند النظر إليه ربما سينتابك شعور بالغرور لكنك ستحبه، هو مهتم حد الغرور أحيانًا! لكن عند الاقتراب منه بطبيعة الحال ستدرك جيدًا سيم التواضع الذي وضعه الله فيه.
في الأشهر التي سبقت كأس العالم 2022، اختاره الاتحاد المغربي بحرص شديد لقيادة منتخب المغرب! بدلًا من أسماء ضخمة ذاع سيطها في الأوساط الفنية سابقًا، تعرض لتنمر وعنصرية شديدة حتى أطلقوا عليه لقب “رأس الأفوكادو” للسخرية من كونه سيقود أحلام المغاربة كافة في العُرس العالمي! مونديال قطر 2022!
متذوق الأفوكادو يعلم جيدًا أن مذاقه ليس بالحلو ولا المر هو مزيج ربما لا يحبه إلا القليل.. لكن حتى وإن كنت مجبرًا عليه لن يبخل عليك بكل فوائده.. هكذا الوضع مع الركراكي الذي أبهر العالم وبات محط أنظار الجميع بعدد مباريات غير متوقع على الإطلاق.
فمثلًا وليد الركراكي ظهر في 8 مباريات فقط مع منتخب المغرب، صنع المجد في جميعهم، وحطم عقدة المنتخبات العربية في كأس العالم.. كان سببًا في دموع الكبار والأساطير، قاد حلمه بسلالة حتى كاد أن يحقق الأكثر منه.. الوصول إلى نهائي كأس العالم والتتويج به!
نعم! وليد الركراكي كالمنتصر عندما يبلغ شغفه عنان السماء، يأتيه شعور في منتصف الرحلة يدفعه نحو المزيد والمزيد.. هو خرج ذات مرة وقال “لماذا لا نفكر في الفوز بكأس العالم أيضًا؟ “، وبالفعل ربما كان سيحققه إذا لم يقابل منتخب فرنسا في نصف النهائي.
الأسطورة تقول: ” المجد يصنعه الرجال “
وليد الركراكي الذي حصل على رخصة التدريب في عام 2014، بعد مسيرة كروية قضى أغلبها في الدوري الفرنسي، بدأ بفرصة ذهبية مع فريق الفتح الرباطي، في تجربة -ربما لها الفضل الكبير فيما يحدث معه الآن-، حيث استمرت تلك التجربة حتى 2020.
نادي الفتح الرباطي كان يترك لمدربيه الحرية الكاملة في النهوض بالفريق كرويًا وفنيًا، وهو ما فعلوه بالضبط معه، ولأن الركراكي كان يدرس كل خطوة جيدًا، وضع أمام إدارة الفتح الرباطي مشروعًا كرويًا يتضمن التنسيق مع كل الفئات العمرية في النادي المغربي وأكاديمية محمد السادس لكرة القدم لتنشأت جيل جديد قادر على المنافسة.
نجح المدرب الشاب في أولى تجاربه التدريبية مع الفتح الرباطي في الفوز مع الفريق بلقب كأس العرش في عام 2014، وفي العام نفسه نجح في التأهل إلى نصف نهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية، وهناك تقابل مع الزمالك وخاض مواجهتي ذهاب وإياب بطريقة ماراثونية حتى أنه خرج بالتعادل في المباراتين لكنه فشل في التأهل إلى النهائي بعد فوز الزمالك بركلات الحظ.
في موسمه الثاني مع الفتح الرباطي قاد الفريق نحو الفوز بلقب الدوري المغربي لأول مرة في تاريخه! بفضل إنجازاته المبهرة، تم منحه وسام الشرف على يد ملك المغرب محمد السادس في عام 2015.
في عام 2020 جاءه عرض لتدريب الدحيل القطري، لكنه لم يصمد هناك سوى موسم وحيد، حتى وصله عرض جدي من الوداد المغربي في عام 2021، عرض كان بمثابة فتحة الخير للركراكي.
حيث ساهم الركراكي في قيادة الوداد نحو الفوز بلقب الدوري المغربي وكذلك خطف لقب دوري أبطال إفريقيا من الأهلي المصري (بطل القارة السمراء في 9 نسخ سابقة) في المباراة النهائية. ليصبح قاهر المارد الأحمر وبيتسو موسيماني الذي لم يقوى عليهم أي فريق قبله.
لماذا لا نصبح نحن أبطال العالم ؟
مساهماته الفريدة مع الوداد، جعلته أول إسم يتم وضعه على طاولة الاتحاد المغربي لكرة القدم، والإسم الذي أتفق عليه الأغلبية، في مجازفة لا يفعلها سوى الرجال.
الاتحاد المغربي كان يثق في قدرات هذا المدرب الأنيق والتقني في الآن ذاته، حتى جاءته الفرصة فترجم كل الثقة إلى أفعال..
رحلته مع المنتخب المغربي كانت صعبة.. من الخارج عند النظر لها ستجدها صعبة، لكن لا يوجد شيء صعب على الركراكي “الحالم الملهم”، عندما تصببح حالمًا ولا تخشى أحد في عالم كرة القدم، ستصل إلى حلمك بكل تأكيد.
هو لم يحلم لحاله! بل اعتزم على شحن شغف جميع لاعبيه، وإعادة المنبوذين “حكيم زياش” وتجديد ثقة الكبار ومنح الثقة وكامل الثقة للصغار.. كان بمثابة الأخ الأكبر لأخوته داخل وخارج الملعب، فوصله الرد منهم كاملًا داخل الملعب.
التعادل مع كرواتيا في دور مجموعات كأس العالم كان بداية شحن الثقة في النفوس، ثم الانتصار على بلجيكا وكندا جعل الجميع كالطير في ساحات المعركة.
تأهل أسود الأطلس إلى دور الـ 16 في كأس العالم للمرة الثانية في تاريخه منذ نسخة 1986، هناك تقابل مع منتخب إسبانيا.. الجميع قال أن الحكاية ستنتهي هنا! لكن عندما تجد الركراكي على الخط واقفًا بمجرد الالتفات إليه في كل مرة ستشعر بقشعريرة تسري في عروقك والجماهير خلفك تردد “سييير” ستسير رغمًا عنك نحو المكتوب.
انتصر المغرب على إسبانيا بركلات الترجيح، ثم تقابلوا مع البرتغال وأسطورتها كريستيانو رونالدو، رأسية النصيري التي خطفت الفوز للأسود، جعلت أسطورة العالم يغادر خائبًا والدموع تملء عينه من شدة الحزن.
في نصف النهائي كان الجميع قد شحن طاقاته وجلس في انتظار معجزة جديدة! المغرب ستواجه فرنسا في المربع الذهبي لأول مرة لمنتخب عربي يتواجد في هذا الدور على الإطلاق! فلماذا لا نحلم ؟ لماذا لا يحق لنا الحلم بمعانقة كأس العالم مثل الأساطير الأخرى.
هناك عبارة أضعها دائمًا -أنا كاتبة المقال- أمامي تقول: ” لو بطلنا نحلم نموت “، أعتقد أنني أتشارك تلك الجملة مع الركراكي الآن.. برغم أن الحكاية انتهت أمام الديوك الفرنسية بعد هزيمة المغرب.
وبرغم أن أسود الأطلس لم يحصلوا إلا على المركز الرابع في ترتيب أبطال العالم! لكن تلك الحكاية المغربية الجميلة كان لها الفضل بالكامل لجعل الجميع يحلم!
بعد إنجاز كهذا الذي حققه وليد الركراكي مع المغرب في كأس العالم، أمامه طريقين! إما الاكتفاء وسرد تلك الحكايات كأساطير حدثت في يومِ ما ونكتفِ بهذا القدر، أو استكمال القصة إلى النهاية ومواصلة الحلم.
الرد جاء سريعًا من الركراكي، فلم يطل علينا حتى أتى بالجواب الكافي! انتصار المغرب على البرازيل في مباراة “ودية” ربما يراها البعض أمر عادي! لكنه أبدًا لن يكن عادي.. هناك مدربين أذكياء وآخرين يعجبهم فكرة أنهم كانوا في فترة ما بطريقة ما أذكياء!