فانوس رمضان – هيرفي رينارد “ثعلب” أدغال إفريقيا.. جمع القمامة وأسقط بطل العالم
في شهر رمضان المبارك تتزين الشوارع بالفوانيس، ويتهادى به الأحباء، هدية قيمة وثمينة تصنع بشكل مبتكر كل عام ليتماشى مع تطورات العصر وتظل قيمته مهما اختلف الزمن وتقول الأسطورة بأن له قدر من السحر على تحقيق المعجزات وتحويل الأحلام إلى حقائق وواقع ملموس.. وفي 365Scores قررنا تقديم فانوس يومي في صورة لاعب أو مدرب كان له مفعول السحر في اسعاد جماهيره.
في الحلقة التاسعة عشر من “فانوس رمضان” معنا العبقري الفرنسي هيرفي رينارد الذي ذاع صيته في عالم التدريب بالساحرة المستديرة وكتب التاريخ على حساب ليونيل ميسي ومنتخب الأرجنتين، فكلما جاء رينارد في الأذهان لابد أن تتوقف كثيراً أمام تاريخه الشخصي.
عشق رينارد جمال الفتاة الإفريقية وتزوج بالسنغالية فيفيان دييه ليتحدى معها العنصرية وظهر معها على غلاف مجلة “هولا ماروك”، وبالرغم من أصول والدته التي تعود إلى بولندا إلا أنه اعتاد الظهور بالأناقة الفرنسية.
من هو هيرفي رينارد؟
ولد هيرفي رينارد في 30 سبتمبر 1968 بمدينة إيكس ليبان الفرنسية، بدأ مسيرته الكروية في عام 1983 كمدافع في صفوف نادي كان ثم انتقل بعدها ليشارك مع نادي ستاد دي فالاوريس، ثم اختتم مسيرته الكروية مع نادي إس سي دراغينيان في مسيرة لعب استمرت لأكثر من 15 عاماً كانت بين عامي 1983 إلى 1998.
بعد تقاعده بدأ هيرفي رينارد سريعاً مسيرته التدريبية مع النادي الذي أنهى فيه مسيرته الكروية إس سي دراغينيان في 1999 وحتى عام 2011، ثم عمل مساعد مدرب في نادي غويزهو رينهي الصيني إلى جانب المدرب كلود لوروا ثم انتقل بعدها إلى إنجلترا لتدريب فريق كامبريدج يونايتد في 2004، ثم عاد إلى فرنسا ليشرف على تدريب فريق تشيربورغ لمدة موسمين من 2005 وحتى 2007.
وزادت شهرة هيرفي رينارد بعدما أصبح مساعداً للمرة الثانية مع المدرب كلود لوروا وكانت مع منتخب غانا، ليبدء بعدها رحلة الانطلاق والشهرة لتدريب منتخب زامبيا وساحل العاج والجزائر والمغرب والسعودية على صعيد المنتخبات بالإضافة إلى فريقي ليل وسوشو في فرنسا.
لماذا لقب رينارد بـ”الثعلب”؟
كلمة رينارد تعني بالفرنسية “الثعلب”، ولذلك أطلق على المدرب هذا الاسم، كما أن الصفات التي يتمتع بها تشبه كثيراً بعض صفقات الثعلب مثل الذكاء والدهاء في التخطيط بالإضافة إلى القيادة الصارمة وتعنيفه للاعبين في غرف خلع الملابس خاصة بعدما لقطته عدسات الكاميرات كثيراً وهو يصرخ على لاعبي فريقه ويحفزهم بكلمات قاسية.
يملك رينارد شخصية قوية داخل الملعب وخارجه للخبرة الطويلة التي يمتع بها بعد بلوغه الخمسين وبالرغم من تقدمه في العمر إلا أنه لا يزال يحافظ على وسامته ورشاقته بالإضافة إلى جسم رياضي مثالي.
ومن أشهر عادات رينارد ظهوره دائماً في المباريات مرتدياً القيمص الأبيض والذي يعتبره المدرب تميمة الحظ في الانتصار بالمباريات، فمنذ أن توج رفقة منتخب زامبيا بكأس الأمم الإفريفية وهو يحرص دائماً على ارتداء القميص الأبيض، ليعود من جديد ويتوج مع ساحل العاج بكأس الأمم الإفريقية، وتأهل رفقة المغرب والسعودية إلى نهائيات كأس العالم بنفس التميمة أيضاً.
جمع القمامة ليلاً لكسب رزق يومه
عانى رينارد بعد توقف مسيرته في كرة القدم، وأصبح مطالب بالعمل من أجل كسب رزق يومه ولذلك قرر جمع القمامة ليلاً بالإضافة إلى تأسيس شركة لتنظيف الشوارع والمحال التجارية للحصول على الأموال لمساعدة أسرته والإنفاق على نفسه.
ولم يخجل رينارد من عمله السابق بعدما قال في أحدى التصريحاته: ” جمعت القمامة طوال 8 سنوات في فرنسا بعد إنهاء ممارسة كرة القدم من أجل كسب الأموال”.
كتابة التاريخ في أدغال إفريقيا
شهدت رحلة هيرفي رينارد في إفريقيا كتابة تاريخي شخصي للمدرب بعدما نجح في تحقيق بطولة كأس الأمم الإفريقية مرتين مع منتخب زامبيا في 2012 ثم مع منتخب ساحل العاجل في 2015.
البداية مع زامبيا وهي ليست المحطة الأولى مع المنتخب بل كان يعرف جيداً الأجواء بعدما تولى المهمة سابقاً في 2008 وقاد بها المنتخب لربع نهائي كأس الأمم الإفريقية في 2010 وهي المرة الأولى لهم منذ 14 عاماً، ثم عاد لهم من جديد في 2011 ليصل معهم في هذه النسخة للمباراة النهائية ليتوج بالبطولة الإفريقية 2012 للمرة الأولى في تاريخهم.
ونقل رينارد نجاحه مع زامبيا في 2012 إلى منتخب ساحل العاج في 2015 فبعد عام واحد من توليه مهمة التدريب نجح في الظفر بالبطولة الإفريقية مع منتخب الفيلة ليصبح أول مدرب يفوز بلقبين في منافسة كأس الأمم الأفريقية مع منتخبين مختلفين، ليتلقى بعدها العديد من العروض إلا أنه وافق في النهاية على قبول عرض تدريب منتخب المغرب في 2016.
تولى رينارد تدريب منتخب المغرب خلفاً للمدرب بادو الزاكي والذي رحل وقتها بإنهاء عقده بالتراضي مع اتحاد الكرة بسبب النتائج المتضاربة وسوء الأداء بالإضافة إلى توتر العلاقة داخل الجهاز الفني وبعض اللاعبين مما دفع الجامعة المغربية للتدخل لإعادة الاستقرار من جديد للمنتخب بجلب مدرب جديد يقود طموحات أسود الأطلس، وبالفعل تولى رينارد منصب المدير الفني لمنتخب المغرب ومنتخب المحليين ومشرفا على المنتخب الأولمبي.
وضع رينارد بصمته سريعاً مع منتخب المغرب ونجح في التأهل إلى كأس الأمم الإفريقية في 2017، وقدم منتخب الأسود أداءً مبهراً وصل به لربع نهائي المسابقة بعد تخطي منتخب ساحل العاج حامل اللقب ولكنه غادر على يد منتخب مصر بالهزيمة بهدف نظيف في الدقائق الأخيرة من عمر المبارة على الرغم من الأداء الجيد للأسود الذي لاقى إشادة جماهيرية وإعلامية كبيرة، لتقرر بعدها الجامعة المغربية تجديد عقده حتى 2022.
وكافئ رينارد منتخب المغرب على تجديد عقده بخطف بطاقة التأهل للمشاركة في كأس العالم 2018 في روسيا بعد غياب الأسود لمدة أكثر من 20 عاماً عن المنافسة وذلك بعد الفوز على منتخب ساحل العاج بثنائية نظيفة في عقر داره لأول مرة في تاريخ المواجهات بين البلدين.
وبالرغم من تجديد عقده والنجاحات الكبيرة التي قدمها مع منتخب المغرب إلا أن الهزيمة المفاجئة أمام منتخب بنين بالضربات الترجيحية في كأس الأمم الإفريقية 2019 كانت كفيلة بتقديم رينارد استقالته من تدريب الأسود ليضع حداً لمسيرة استمرت لمدة 3 سنوات.
لفتة إنسانية.. سأحملك للاحتفال يا بطل
تظل واحدة من اللقطات الإنسانية في عالم كرة القدم، اللوحة التي قدمها هيرفي رينارد بعد تتويج منتخب زامبيا بكأس الأمم الإفريقية 2012 عندما حمل اللاعب المصاب جوسيف موسوندا للاحتفال مع زملائه.
ففي مشهد لن يتكرر كثيراً ذهب رينارد إلى لاعب زامبيا المصاب جوسيف موسوندا وقال له: ” سأحملك للاحتفال ولن تبقى وحدك”، ليقطع به مسافة كبيرة إلى منطقة الاحتفال ليضعه رفقة زملائه.
فشل ذريع مع الأندية
لم ينجح هيرفي رينارد مع الأندية التي دربها، على عكس نجاحه مع المنتخبات، خاض تجربة مع نادي سوشو الفرنسي في 2013 وفشل في تجنب الهبوط ليقرر بعدها تقديم استقالته في 2014، أما التجربة الثانية كانت مع فريق ليل حيث تولى المهمة في مايو 2015 ولكنه رحل في نوفمبر من نفس العام بسبب سوء النتائج والأداء بعدما جمع الفريق 13 نقطة فقط من 13 مباراة في الدوري، لتدخل الإدارة على الفور وتقرر رحيله في محاولة لتعديل الأوضاع داخل الفريق والهروب مبكراً من دوامة الهبوط.
إسقاط بطل العالم
لم يتوقع البعض سقوط منتخب الأرجنتين بقيادة الساحر ليونيل ميسي في فخ الهزيمة أمام منتخب السعودية في الجولة الأولى من دور المجموعات بنهائيات كأس العالم 2022، إلا أن رينارد نجح في ذلك بعدما قدم مباراة تاريخية ستظل عالقة في الأذهان لجميع عشاق كرة القدم، وقدم الأخضر السعودي ملحمة تاريخية على أرض الملعب وفاجئ الجميع بفضل دهاء وذكاء “الثعلب” والذي فرض سيطرته وطريقة لعبه على التانجو ليخطف انتصاراً تاريخياً بهدفين مقابل هدف.
وبالرغم من الأداء المميز في اللقاء الأول أمام الأرجنتين إلا أن صحوة منتخب السعودية لم تستمر طويلاً في البطولة ليخسر بعدها من منتخب المكسيك ثم بولندا بأداء مميز ولكنه غادر البطولة مرفوع الرأس بفضل رينارد الذي أوقف مفعول السحر للأسطورة ليونيل ميسي والذي عجز عن هز شباك محمد العويس.
وقاد رينارد منتخب السعودية في 39 مباراة منذ توليه المهمة في 2019، حقق الانتصار في 18 لقاء وتعادل في 11 مباراة وتعرض للهزيمة في 10 مباريات، سجل الأخضر تحت قيادته 50 هدفاً وتلقى الدفاع 28 هدفاً، وكانت أكبر نتيجة انتصار على حساب منتخب فلسطين بخمسة أهداف نظيفة، بينما كانت أبرز انتصاراته أمام الأرجنتين بهدفين مقابل هدف في المونديال وشارك تحت قيادته 78 لاعباً في هذه الفترة.
العودة إلى أوروبا
قرر هيرفي رينارد الرحيل عن تدريب منتخب السعودية في 28 مارس 2023 من أجل قبول مهمة تدريب منتخب فرنسا للسيدات بعد إقالة المدربة كورين دياسر، وبالفعل وافق الاتحاد السعودي لكرة القدم على رغبة رينارد بفسخ العقد بالتراضي بين الطرفيين، ليمنح المدرب فرصة العودة إلى أوروبا من جديد وقيادة منتخب سيدات فرنسا في بطولة كأس العالم المقبلة.