فانوس رمضان – محمد صلاح.. قرار خاطئ وضع الملك المصري على عرش أوروبا
الحلقة الثانية عشر من “فانوس رمضان“، نطوف فيها بين أرجاء وشوارع قرية مصرية صغيرة، إن أخذتك قدماك ناحيتها ستدرك بكل سهولة من كثرة اللافتات والصور ورسومات الجرافيتي المرسومة على جدرانها بأن تلك القرية خرج منها محمد صلاح.
في شهر رمضان المبارك تتزين الشوارع بالفوانيس، ويتهادى به الأحباء، هدية قيمة وثمينة تصنع بشكل مبتكر كل عام ليتماشى مع تطورات العصر وتظل قيمته مهما اختلف الزمن وتقول الأسطورة بأن له قدر من السحر على تحقيق المعجزات وتحويل الأحلام إلى حقائق وواقع ملموس.. وفي 365Scores قررنا تقديم فانوس يومي في صورة لاعب أو مدرب كان له مفعول السحر في اسعاد جماهيره.
من قرية نجريج التابعة لبسيون في صعيد مصر، خرج كطفل صغير يُداعب كرة القدم، أم بسيطة تخشى عليه من نسمة الهواء كانت تمنعه من لعب تلك اللعبة، وأب شغوف كان يحمل مشاعر ولو بسيطة بأن طفله سيكون يومًا ما مثل هؤلاء اللاعبين الذين يسمع أسمائهم في التلفاز.
مشاعر الأبوة لا يمكن مقارنتها على الإطلاق بكلام العرافة والسحرة، إن آمنت بك عائلتك فلن يقدر أحد على الوقوف أمام أحلامك جميعها.
مداعبة كرة القدم في قريته البسيطة ومدرسته لم تكن كافية لخروج موهبته إلى النور، لكن دوري المدارس كان يضعه أمام كشافة العديد من الأندية.. حتى تحدث معه أحدهم وطالبه بضرورة التسجيل في اختبارات نادي قاهري ربما سيكون مركز انطلاقته..
في صباح كان مشرقًا جدًا بين صباحاته السابقة، خرج رفقة والده متوجهًا إلى القاهرة، ومتنقلًا بين قطار وعربة ليسابق الزمان من أجل اللحاق بنادِ قاهري ربما سيضعه على أول الطريق.. حتى كُتب له أن يصبح لاعبًا في المقاولون العرب.
اهتم به نادي المقاولون العرب كثيرًا أثناء وجوده في فريق الناشيئن، ونجح صلاح الصغير في التدرج بين الفئات العمرية للفريق حتى جاءه استدعاء من الفريق الأول لذئاب الجبل لتبدأ الرحلة من هنا!
إن قال لك أحدهم بأن لاعب مصري سيكون حديث العالم بسبب مهاراته وأرقامه القياسية، بل لو قال لك أحدهم بأن هناك لاعب مصري سيصبح هو الهداف التاريخي لفريقه في الدوري الإنجليزي ودوري أبطال أوروبا وأن جماهير هذا النادي ستردد إسمه في كل مرة ومرة وسيصبح معشوق الجميع في إحدى بقاع الأرض.. بالطبع ستصفه بالجنون!
لكن الأقدار تسوق صاحبها إليها.. ومحمد صلاح أصبح الفرعون المصري الجاهز للاحتفال في كل مرة تحتاجه فيها.. هداف الدوري الإنجليزي ممكن! هداف دوري أبطال أوروبا ممكن! تخطي أهداف فيرناندو توريس ولويس سواريز ممكن! إنما رفع كأس دوري أبطال أوروبا والدوري الإنجليزي ومعانقة الذهب مرارًا فهذا كله يذهب العقل ويسلب القلب في آن واحد!
قرار واحد خاطئ يُغير مصير كامل لـ محمد صلاح
صلاح قضى مع المقاولون العرب في الدوري المصري موسمين، تألق بقوة في تلك الفترة حتى جذب أنظار المسؤولين في نادي الزمالك.. قرار واحد فقط ربما كان سيحرمنا من سطوع تلك الأسطورة المصرية في سماء أوروبا.
قرار واحد خاطيء إتخذه رئيس نادي الزمالك الأسبق، ممدوح عباس، الذي رفض التوقيع مع محمد صلاح بحجة أنه لاعب عمره صغير وقليل الخبرة! غيّر به مصير كامل للأسطورة المصرية الحالية.
تخيل معي إن أكمل صلاح في الدوري المصري ومع نادي الزمالك.. ماذا كان سيحدث لأرقام توريس وسواريز.. ماذا عن ليفربول الذي عاش سنوات من المجد عاد فيها لقهر كبار أوروبا أعاد بها مجده بينهم بأقدام الرجل القادم من نجريج!
في الفترة التي تم رفضه من قِبل نادي الزمالك، جاءه عرض جدي للغاية من نادي سويسري يُدعى “بازل”، وهو النادي الأضخم هناك، فوافق على خوض تلك التجربة لأنه وقف على ناصية الحلم وقاوم في انتظار اللحظة التي يريدها منذ سنوات.. الاحتراف الخارجي.
وهناك في بازل، لامست قدماه العشب في الملاعب الأوروبية، حين لعب للمرة الأولى مع فريقه السويسري في بطولة دوري أبطال أوروبا.. محمد صلاح الذي لم يعرف شيء عن مباريات دوري أبطال إفريقيا.. شارك في رحلة احترافه الأولى في التشامبيونز ليج، وبرغم أن تلك المشاركة انتهت سريعًا بعد خسارة بازل في الدور التميدي إلا أن مشاعره في تلك اللحظة لا تُنسى.
واقفة ديمًا جنب مني.. شجعتني صدقتني!
“دي اللي جنبي من البداية”.. في حوار تلفزيوني أجراه محمد صلاح مع إسعاد يونس منذ أشهر، روى قصة الحب التي جمعته بزوجته ماجي، مؤكدًا بأن قصة الحب بينهما بدأ منذ الصغر خاصة وأن الثنائي “جيران”
بخلاف أن ماجي وصلاح كانا معًا في مدرسة واحدة في طفولتهما، لكن بسبب كرة القدم هو قضى أغلب فترة مراهقته في القاهرة وفشل في الالتحاق بمدرسة ثانوية، بينما هي أكملت دراستها بالكامل حتى الجامعة.
صلاح لا ينسى وعوده أبدًا، فعاد من القاهرة إلى نجريج خلال فترة وجوده بين صفوف المقاولون ليعلن خطبته من ماجي صادق التي آمنت به منذ البداية وساندته ولم تكف أبدًا عن تشجيعه.
لذا، فكان من الطبيعي عندما يخطو أول خطواته في الحلم الذي كان شغوفًا به وينتظره منذ زمن، لابد أن يأخذ يدها معه لتواصل دعمه كما تفعل دائمًا.. لكن الدعم بعد تحقيق أول حلم يكون مفعولة كالسحر.. الإنسان في تلك اللحظة يحتاج لأحدهم كي يجدد شغفه لمواصلة ما أكمله من البداية.
رزق صلاح بابنته الأولى “مكة” في عام 2014.. والتي يقول عنها دائمًا بأنها “فتحة الخير عليه ووش السعد”.. جاءت مكة إلى هنا وجاءته العروض من كبار أوروبا. يأتي في مقدمتهم تشيلسي الإنجليزي.
طريق النجوم ليس مفروشًا كله بالورد
ولأن الرياح لا تأتي عادة بما تشتهي السفن، ظن البعض أن صلاح سيكون مثله مثل أغلب المحترفين المصريين في الدوري الإنجليزي، عندما تفشل تجربته يعود إلى مصر أو يظل كالرحالة بين الأندية الصغرى في أوروبا.. لكن هذا للاعب المصري العادي وليس محمد صلاح.
بسبب عدم مشاركته واستمرار جلوسه على مقاعد البدلاء مع تشيلسي فترة جوزيه مورينيو، وافق صلاح على الخروج في إعارة إلى الدوري الإيطالي عبر بوابة فورنتينا، وهناك أصبح ” مومو” الفرعون المصري وملك إيطاليا في آن واحد.
قضى صلاح 6 أشهر من الخيال مع الفريق البنفسجي حتى أصبحت الجماهير تطلق إسمه بمناسبة وبدون مناسبة، شارك وقتها المصري في 26 مباراة وسجل 9 وصنع 4 آخرين.
وفي نهاية الموسم، كان عليه إما التوقيع مع فورنتينا أو الموافقة على عرض قادم من غريم إيطالي آخر، من روما! وقيصر روما الذي يعشقه كان لا يزال هناك.. فرانشيسكو توتي يُداعب الكرة وجمهور روما في الكورفا لا يخشاه أحد.. فرضخ ووافق على الفور.
سباليتي وتغير جذري لـ محمد صلاح
هناك في روما عاش موسمين من العيار الثقيل، وصل كجناح أيمن وخرج منه كمهاجم.. دخل بين الذئاب كلاعب مصري طموح وخرج من هناك كـ”صاروخ الشرق”.
نضجت شخصية محمد صلاح وكذلك مهاراته داخل الملعب في روما، وتحديدًا على يد المدرب المخضرم لوتشيانو سباليتي!
سباليتي العاشق لطريقة لعب 4-3-3 كان يرغب في جعل محمد صلاح أحد الأضلاع الرئيسية في مثلثه الهجومي مع إيدين دزيكو وستيفان شعراوي.
عانى صلاح كثيرًا بسبب عدم قدرته على التأقلم في مركزه الجديد، حتى إنه لم يكن يُكمل مباريات الجيالروسي حتى النهاية، بسبب استبداله من قِبل سباليتي.
أضاع صلاح المزيد والمزيد من الفرص السهلة أمام المرمى، لكن سباليتي على الخط لم ييأس ووضع كامل ثقته فيه، تدرب لساعات إضافية وجلس مع مدربه الإيطالي في جلسة خلف أخرى ليأخذ منه النصائح حتى اقترب صلاح من المواصفات التي كان يريدها سباليتي “بدنيًا” في صلاح.
وانطلق صاروخ الشرق منذ ذلك الحين لينفجر كرويًا مع روما ويسجل قائمة لا تنتهي من الأهداف، لتصبح نظرة سباليتي الأكثر دقة عن غيرها من المدربين الذين دربوا صلاح في مسيرته.. حيث يقدر اللاعبعب الآن على اللعب في مركز الهجوم والجناح والتبديل بينهما في المباراة ذاتها.. وهو ما يفعله الآن مع ليفربول.
الملك المصري.. ملك ميرسيسايد وليفربول
انتقل محمد صلاح من روما إلى ليفربول في 2017، وبرغم عدم موافقة يورجن كلوب مدرب الريدز على تلك الصفقة، لكن سرعان ما اقتنع مع أول مشاركة للنجم المصري الذي لم يتهاون ووضع أهداف لا تُرد في كل الخصوم.
فلم يتردد كلوب في جعل صلاح أحد أضلع مثلثه الهجومي الأشرس على الإطلاق والمكون من ساديو ماني وروبرتو فيرمينو. مثلث هجومي كان يغزو أوروبا ويحصد الألقاب واحدًا تلو الآخر بسهولة.
مع يورجن كلوب، تطوّر صلاح كثيرًا في أسلوب وصوله إلى المرمى، وأصبح أمر إنهاء الفرص لعبته.. من سيضع الهدف غيره.. هو فقط الملك المصري محمد صلاح!
ليالي رمضان.. ليفربول في مصر يعني (محمد صلاح)
في عامه الثاني من ليفربول، وصل محمد صلاح إلى نهائي دوري أبطال أوروبا وواجه ريال مدريد، في أمسية تجمع فيها الكبار والصغار، امتدت مساحات المقاهي لتغطي شوارع بالكامل، ليفربول يضع هدف والجميع يصرخ ويهتف “صلاح صلاح” حتى إن كان الهدف بأقدام أحد غيره.. ليفربول في مصر تعني محمد صلاح!
سقط صلاح أرضًا مصابًا إصابة قوية بعد التحام مع سيرجيو راموس، والتأثر بات يظهر على وجهه حتى دخل في نوبة بكاء، تخيل أن لاعب مصري مؤثر للغاية مع فريقه، ويأتي إلى عنده كريستيانو رونالدو أسطورة ريال مدريد لمواساته!
الجميع شعر بالحزن بعد خروج صلاح من الملعب بسبب الإصابة، وانتهت المباراة عند هذا الحد. فاز ريال مدريد وتوّج باللقب، والجميع يردد عبارة: ” لو صلاح كمل كان ليفربول كسب “.
ليلة رمضانية أخرى.. إن فاز ليفربول ستهتز القاهرة يارفاق
في العام التالي، استمر ليفربول في طريق سعيه نحو اللقب المفقود، هذه المرة اصطدم ببرشلونة في نصف النهائي، وبالرغم أن الريدز خسر في الذهاب 3-0، وبرغم من إصابة محمد صلاح وعدم مشاركته في الإياب.. وبرغم أن الأمسية كانت رمضانية جدًا.
لكن هذا كله لم يكن عائقًا أمام المصريين الحالمين، الذي تجمعوا على المقاهي لمتابعة ليفربول ومؤازرة صلاح، حتى وإن كانت المسافة تقدر بملايين الأميال!
جاء الهدف الأول لليفربول وانتهى الشوط الأول هكذا، وإن كنت مصري ستعرف أن هناك شعور يأتيك في منتصف أي شيء يغزو قلبك ليؤكد لك بأن هناك شيء ما سيحدث.. اللجميع كان يشعر بأن القاهرة ستهتز هذه الليلة بكل تأكيد.
في الشوط الثاني، كانت فرص ليفربول هي الأشرس، الصيحات تعلو معها وتهبط، القلوب تخفق مع كل هجمة لبرشلونة على مرمى الريدز، لحظات الصراخ التي تأتي خلف كل هدف يسجله ليفربول، حتى سكنت كرة ديفوك أوريجي بالهدف الرابع.. تجد الجميع يجري هنا وهناك والصيحات تعلو والتصفيق يعلو والجميع يغني.. الجميع سعيد والقاهرة اهتزت بالفعل.
ليفربول في نهائي دوري أبطال أوروبا للمرة الثانية، هذه المرة سنفعلها.. كانت تلك الليلة توافق ليلة 27 رمضان.. الجميع يقف والقلوب كادت أن تقف حتى انتهت تلك المباراة معلنة فوز ليفربول على توتنهام.. صلاح بطل أوروبا! هل تصدق ؟ إن كان توقع عرافة في إحدى السنين سنقول مجنونة! لكن أصبح كل شيء حقيقي.
الجنون الجقيقي كان في العام التالي، عندما رفع محمد صلاح كأس الدوري الإنجليزي ليتوج مع ليفربول بلقب غائب من 30 عامًا.. هناك مجد يُصنع قد تشعر بإنه شيء طبيعي أو عادي، لكن عندما يكون لديك لاعب كان يتقاسم معك الحياة في سماء بلدك.. يتنفس نفس الهواء ويشرب نفس الماء والطعام هو نفسه الذي يأكله.. الأحلام والعوائق والطفولة.. رجل خرج من بيننا يحقق الأحلام.. هذا هو الجنون الحقيقي ياصديقي.
أسطورة محمد صلاح مع ليفربول لم تنتهِ، ولن تنتهِ الآن بمشيئة الله.. سيواصل المرور فوق الأرقام القياسية ليحطمها جميعًا.. سيواصل انفراده بكونه هداف ليفربول في الدوري الإنجليزي ودوري أبطال أوروبا والديربيات الأكثر شراسة.. سيترك إسمه بأحرف من ذهب هناك في معقل أنفيلد.. سيكون رجل مصري مر من هنا لا ولن يُنسى!