فانوس رمضان – ليونيل ميسي “الساحر” الذي لا ينتهِ سحره أبدًا
في شهر رمضان المبارك تتزين الشوارع بالفوانيس، ويتهادى به الأحباء، هدية قيمة وثمينة تصنع بشكل مبتكر كل عام ليتماشى مع تطورات العصر وتظل قيمته مهما اختلف الزمن وتقول الأسطورة بأن له قدر من السحر على تحقيق المعجزات وتحويل الأحلام إلى حقائق وواقع ملموس.
هديتنا في رمضان ستكون فانوس يومي، في صورة لاعب أو مدرب كان له مفعول السحر في اسعاد جماهيره، وتقديم لهم البطولات على طبق من ذهب وادخل في قلوبهم سرور يساوي فرحتك بأول فانوس جلبه لك أحد والديك في طفولتك. وهي الفقرة اليومية طوال شهر رمضان على موقع 365Scores.
في الحلقة الثالثة من “فانوس رمضان” -ربما هي الأصعب على الإطلاق-، سنتجول بين شوارع وميادين “بوينس آيرس” في الأرجنتين، حيث مكان ميلاد النجم المخضرم وأفضل لاعب في العالم الآن؛ ليونيل ميسي!
ميادين عاصمة السحر والجمال كانت شاهدة وحدها على ميلاده ونشأته، لم يشعر أحد بأن هذا الطفل الرضيع سيصبح أفضل لاعب في العالم سوى سيدة واحدة فقط، هي ليست عرافة ولا تُجيد قراءة الفنجان! لكن مشاعر الجدة “سيليا” نحو حفيدها كانت كافية لتمنحه قبلة الحياة في صغره.
نبوءة الجدة سيليا التي تحققت مرارًا في السنوات الماضية، مع كل لقب يضعه “ليو” في خزينته ومع كل جائزة فردية وكرة ذهبية يخطفها من منافسه اللدود كريستيانو رونالدو.
لكن هذا كله لم يكن كافيًا للشعب الأرجنتيني الذي اعتاد منذ زمن أن كرة القدم هي النفس والهواء! الجميع في الأرجنتين كان يجزم على أن كرة القدم لم تأتِ سوى بـ”مارادونا” هو الأرجنتيني الوحيد الذي يستحق أن يُحمل على الأعناق.
مشاعر ربما حملها أغلب الشعب في الأرجنتين وكانت تزداد يومًا بعد يوم بسبب إخفاق ميسي ورفاقه في جلب بطولة دولية أو قارية لمنتخب التانجو! الهزائم المتتالية وخسارة اللقب في نهائي كوبا أمريكا بشكل متكرر، والظهور المشرف فقط في كأس العالم حطم إمكانية وضع إسم ميسي جوار مارادونا!
حتى أن نجل ليو الصغير كان دائمًا يتساءل؛ “أبي لماذا الجميع هنا في الأرجنتين يكرهوننا”.. ليو الكبير كان يعجز عن الإجابة.. فقط يرد بعبارات بسيطة مفادها أن هذا الشعب عاطفي للغاية.. يُحبوننا لكن لن يعترفون بهذا الآن.. بالتأكيد سيأتي يومِ وسيكون اعترافهم عظيم! عظيم جدًا..
نبوءة الجدة سيليا لـ ليونيل ميسي الصغير!
كان “ليو” لم يبلغ العامين أو 3 أعوام بعد، كلما تنظر جدته “سيليا” كانت تجده يصطحب كرة ويحاول ركلها بكل قوته، ويذهب خلف الكرة ويستمر في ركلها.
ذات يوم، صممت الجدة سيليا على اصطحاب “ليو” الصغير -الذي كان يبلغ من العمر 4 أعوام- إلى مباراة فريق “روزاريو”؛ فريق مدينة مسقط رأسه! وهناك وبعد المباراة! ذهبت إلى المدرب وطلبت منه أن يصطحب الطفل ويشركه في اللعب مع فريقه!
يقول ميسي عن هذا الموقف: ” ذهبت مع جدتي إلى نادِ جوار المنزل، وتفاجئت بها وهي تطلب من المدرب أن ألعب مع فريق الكرة الصغير، كنت أحد أصغر اللاعبين ولم يكن بين الأطفال من هم في فئتي العمرية!، وعندما غاب أحدهم عن يوم المباراة، توجهت إليه وقالت له دع هذا الطفل يلعب محله، فأجابها المدرب: كيف أجعله يلعب وهو لا يزال صغير جدًا وغير قادر على ركل الكرة؟!.. لكنها لم تمل وظلت تطالبه بأن ألعب حتى وافق “.
ميسي روى تلك الواقعة في مرات عديدة، ليؤكد أن جدته كانت أول من آمن بموهبته وساندته من أجل أن يلعب كرة القدم، هي من وضعته على الطريق، بخلاف أنها منحته نبوءة بأنه سيصبح أفضل لاعب كرة قدم في العالم يومًا ما.. وهو ما تؤكده لنا الأيام الآن!
يروي السيد أباريسيو مدرب فريق روزاريو والذي كان يُطلق عليه إسم فريق “جراندولي”، تفاصيل المباراة الأولى للطفل ليو مع فريقه ذو الفئة العمرية الأكبر منه.
فيقول: ” كان يشعر بالخوف في البداية، فظل واقفًا محله لم يتحرك أبدًا.. وصلت الكرة إليه مرة فمررها وظل واقفًا في مكانه، وبعدما وصلت الكرة إلى قدمه اليسرى في المرة الثانية بدأ الجري وسط الفريق وكأنه لاعبًا قديمًا معهم! “
خرج الجميع مبهورًا بالطفل ذو الـ 5 سنوات الذي شارك مع فريق كل لاعبيه أكبر منه سنًا وتفوق عليهم، حتى أن في تلك اللحظة ذهب “أباريسيو” إلى جدته ووالدته ليخبرهم بأن هذا الطفل مثل “البرغوث” لا يمكننا التخلص منه أبدًا ” للتعبير عن مدى انبهاره به.
المنديل الذي غيّر حياة ليونيل ميسي
زاد شغف وتعلق “ليو” بكرة القدم، حتى أنه أكمل مسيرته مع فريق نيولز أولد بويز، الذي تدرج بين فئاته العمرية المختلفة حتى بدأ في جذب اهتمام الكبار إليه.
فبعد تألق ميسي مع نيولز أولد بويز في عام 2000، أعجب المسؤولين في ريفر بليت ( أحد عمالقة الدوري الأرجنتيني ) بمهارات المراهق الصغير.
توقيع واحد صغير ربما كان سيغير مصير ميسي تمامًا، لكن كما يُقال “مصائب قومِ عند قوم فوائد”.. ليو الصغير كان في ذلك التوقيت يعاني من مشاكل في النمو، وهو من بين الأمراض التي تبلغ تكلفتها أموال باهظة للغاية، فتكاليف الإبرة الواحدة كان 1500 دولار.
عندما علم ريفر بليت بأنه سيتكبد الكثير من الأموال لعلاجه، تراجع في الحال عن الصفقة، في الوقت نفسه الذي اقتحم برشلونة السباق سريعًا من أجل التوقيع مع ليو! وكأن روح الجدة سيليا التي كان قد فارقت الحياة في ذلك التوقيت، لا تزال تحوم حوله وترعاه.
مهارات ليو كانت كافية جدًا لإقناع كشافة برشلونة به، فأجرى الجندي المجهول في وصول ميسي إلى برشلونة “كارليس ريتشاك” مكالمة عاجلة بإدارة النادي الإسباني لأخذ الموافقة على التوقيع مع طفل لم يبلغ الـ 13 عامًا من عمره، حيث كان لدى “ريتشاك” مشاعر حينها بأنه سيصبح أسطورة البلوجرانا في المستقبل.
الإدارة عندما سمعت أن المفاوضات ستكون من أجل طفل لم يبلغ الـ 13 عامًا كانت تماطل كثيرًا، لكن في النهاية رضخت، عندما أخذ “ريتشاك” الموافقة! لم يتنظر كثيرًا حتى أنه أخذ توقيع ليونيل ميسي وموافقة أسرته على “منديل ورقي”.. المنديل الذي جعل للتاريخ قيمة الآن!
يقول ريتشاك عن هذا الموقف: ” عندما شاهدته (ميسي) يسيطر على الكرة ويراوغ اللاعبين بطريقة غريزية، قلت يجب أن نتعاقد معه فورًا، هذا الطفل من مجرة أخرى، لاعبو كرة القدم يحتاجون زملائهم بالعادة، أما ميسي فيستطيع اللعب بمفرده “.
ميسي ذهب إلى برشلونة في وقت غير عادي وبطريقة غير تقليدية على الإطلاق، وكأن القدر يسوقه إلى طريق لن يعرف نهايته بمفرده، سيكون العالم أجمع شاهدًا معه عليه!
في 2000 كان ذاهبًا إلى برشلونة وهو طفل ابن 13 عامًا وجسد نحيل وضعيف وعضلات لا تساعده على أي شيء، الآن هو الهداف التاريخي لنادي برشلونة بواقع 672 هدفًا والأكثر تتويجًا بينهم بـ 28 لقبًا مع البلوجرانا. هذا كله تحقق بمسيرة ظنها البعض خارقة تارة ووصفها آخرين بـ”المعجزة” تارة أخرى.. لكن المتفق عليه الآن؛ أن ليونيل ميسي هو معجزة خارقة للطبيعة بكل تأكيد!
برغم خروجه من برشلونة في مشهد مؤثر أبكى الجميع، ظن البعض أن الساحر لن يقدر على نثر سحره مع أي فريق آخر، لكن لاعب مثله لا يرد إلا عندما تظن أن النهاية ستظهر للتو على التتر معلنة نهاية القصة.. فيفاجئك أن للحكاية بقية والبقية هي الأكثر إعجازًا.
أبي هل الشعب في الأرجنتين يحبنا الآن ؟!
المراسل يسأل: ليو! هل هناك طريقة أجمل من تلك للإعلان عن حب شعب الأرجنتين لك ؟!
في الخلفية الآلاف في مدرجات ملعب “مونومنتال”، وملايين آخرين يتكدسون خلف شاشات التلفاز، الصرخات والصيحات والآهازيج ترج أنحاء المدينة بل البلاد بالكامل.. الآن موعد عزف النشيد الوطني في الأرجنتين.. الآن موعد الإعلان عن الحب لميسي ورفاقه للمرة الأولى! بعد جلب النجمة الثالثة. بعد التتويج بكأس العالم الغائب لأكثر من 36 عامًا.
ميسي الذي فشل في انتشال أي نظرة حب في عيون الكبار أثناء وجوده في الأرجنتين، وسمع ذات يوم صيحات استهجان في الشوارع بعد خسارة لقب كوبا أمريكا أمام تشيلي في المباراة النهائية، ومطالبات باعتزاله وعدم تمثيل التانجو مجددًا بعد خسارة لقب كأس العالم 2014..
ميسي الذي كان يجد كل الحب في أعين الأطفال ولا يجدها في أعين سيدة تشبه جدته “سيليا” كان ينظر إليها مرارًا ليتذكر بهجتها، فترده خائبًا بسبب خسارة نهائي آخر فشل في حصد لقبه بالقميص السماوي والأبيض ذاك!
ميسي الذي كان لا يعرف طعم للنوم في الأرجنتين خوفًا على أولاده وزوجته من “مجانين كرة القدم”، ميسي الذي كان يحمل مشاعر متخبطة تجاه تلك الجماهير التي تفرح معه لإنجازاته مع برشلونة وتلعنه في كل مرة يخسر لقب مع التانجو.. الآن يقف صامتًا وأعينه تتلألأ بداخلها الدموع.. ولأن الصمت في حرم الجمال جمال! هو فضل الصمت وقلبه بات يخفق بدقات سُمعت عابرة للقارات.
ميسي الصامت المبتسم ذو العيون المليئة بالدموع من شدة الفرح.. قدمه ساكنة على الأرض وقلبه يطير وروحه تسترق نظرات الحب من كل الأعين المتواجدة أمامه في مدرجات ملعب مونومنتال.
خفض رأسه ناحية “تياجو” نجله الأكبر وقال له بكل حنان: ” الآن حان موعد الاعتراف.. الآن كل الأرجنتين تعشقنا.. لا أحد يكرهنا اليوم.. لا أحد سيكرهنا بعد اليوم “.