فانوس رمضان – كريم بنزيما “الرجل الثاني” الذي أصبح أسطورة ريال مدريد

الحلقة الخامسة عشر من “فانوس رمضان“، سنطوف في مجال الفرنسي المخضرم كريم بنزيما.. الرحالة من شمال إفريقيا إلى فرنسا ومنها إلى إسبانيا حيث استقر ونصب خيامه ونثر سحره كله دفعة واحدة هناك.

في شهر رمضان المبارك تتزين الشوارع بالفوانيس، ويتهادى به الأحباء، هدية قيمة وثمينة تصنع بشكل مبتكر كل عام ليتماشى مع تطورات العصر وتظل قيمته مهما اختلف الزمن وتقول الأسطورة بأن له قدر من السحر على تحقيق المعجزات وتحويل الأحلام إلى حقائق وواقع ملموس.. وفي 365Scores قررنا تقديم فانوس يومي في صورة لاعب أو مدرب كان له مفعول السحر في اسعاد جماهيره.

ربما تسمع عن الرجل الثاني في المسلسلات والأفلام، لكن هل رأيته ولو لمرة في ملاعب كرة القدم؟! إن لم تشاهد فترة بداية كريم بنزيما مع ريال مدريد وتحديدًا طوال الفترة التي ظل فيها كريستيانو رونالدو أساسيًا في تشكيل الملكي، ستدرك أن هناك رجل ثانِ أيضًا في ملاعب كرة القدم.

في الأفلام، يُجسد الرجل الثاني شخصية جيدة جدًا ويفعل كل ما في وسعه لمساعدة البطل، لكن في النهاية الجميع يظل متذكرًا البطل أما الرجل الذي هيأ له كل ذلك عادة يكون في طيّ النسيان! هكذا كان المشهد طوال الوقت بين رونالدو وبنزيما.. الأخير يُهيئ والأول يأخذ الثناء بمفرده.

حتى خرج رونالدو عن ريال مدريد، ليظهر سحر الرجل الثاني الذي ظل منفردًا بالمشاهد التالية واحدًا تلو الآخر، فظهر كل ما يفعله للآخرين أكثر فأكثر، حتى ظن البعض أن الرجل الثاني طور من نفسه وتغيّر!.. فأصبح الشخص الذي كان يُجهز اللعبة لغيره، هو الذي يخطف الكرة ويُراوغ ويهبط مع المدافعين ويساند لاعبي خط الوسط، ويسدد الكرات ويسجل الأهداف.. حتى وصل أخيرًا إلى قلوب الجماهير.

عانى بنزيما كثيرًا مع جماهير ريال مدريد الغاضبة دائمًا، جمهور كرة القدم منه من سيساندك في كل مرة تسقط فيها حتى تستفيق، وآخرين سيواصلون السخرية منك في كل مرة ومرة حتى ترحل عنهم.. لكن عندما يسخروا منك فتصمد وتواصل رحلتك في صمت هذا ما لم نسمع به من قبل كريم بنزيما!.

كريم بنزيما وممارسة كرة القدم بالصدفة!

كريم الطفل الصغير الذي لم يبلغ الثالثة من عمره بعد، جاء لأب وأم جزائريين، شرعوا في مغادرة الجزائر ومعهم ابنائهم الـ 9 إلى مقاطعة “برون” في مدينة ليون بفرنسا.. وهي مدينة اشتهرت بالعصابات والمافيا في الماضي.

لذا؛ قضى كريم أغلب طفولته داخل جدران منزله، بسبب خوف والده عليه هو وأخوته من تلك العصابات الموجودة في الخارج، حيث قال بنزيما في تصريح عن والده: ” أبي كان يعاملنا جميعًا مثل قسم الشرطة، كان الجميع يسير على ضوابط وقوانين داخل البيت “.

بسبب وجود كريم داخل المنزل لفترة طويلة جدًا دون حراك، زاد وزن الطفل الصغير جدًا حتى تم وصفه بـ”السمين”، وتسبب ذلك كله في السخرية منه في مدرسته بسبب وزنه الضخم.

نصح الطبيب والد كريم بضرورة ممارسة الرياضة كي يخسر وزنه، ومن هنا بدأت قصته مع كرة القدم، حيث قرر والده تسجيل إسمه في فريق الشباب في أكاديمية “برون” في فرنسا.

ليؤكد الجميع بأن علاقة كريم بنزيما بكرة القدم بدأت بالصدفة، وتحول الطفل السمين إلى أسطورة في كرة القدم ومن بين الأفضل في العالم.

ليون.. من هنا بدأ كل شيء!

عندما كان في العاشرة من عمره، خاض مباراة كأساسي مع فريق “برون” ليلتقي فيها بفريق ليون، وخلال تلك المباراة سجل هدفين بطريقة مبهرة، ما أدى إلى لفت أنظار كشافي أولمبيك ليون له.

ظل الأمر عالقًا لبعض الوقت، حتى خطف ليون الطفل المميز كريم بنزيما، فتقول أسطورة تتنقلها الأجيال: ” إن كنت ترى الخير في شيء فإرعاه جيدًا سيكون خيرًا لك يومًا ما “.

ربما يعرفون تلك الأسطورة في ليون لذا اهتموا به جيدًا حتى جاء موعد تصعيده إلى الفريق الأول وهو لم يكمل عامه الـ 18 بعد، وحينها لم يتهاون كريم في أي لحظة حتى أثبت نفسه وكان واحد من بين الجيل الذهبي للفريق الفرنسي، كما حقق لقب هداف الدوري الفرنسي في أول مواسمه مع ليون.

في عام 2009 وبعدما تفجرت موهبته تمامًا مع ليون، بات إسم كريم بنزيما معروفًا للكثيرين، حتى وصلته عروض بالجملة من أجل التوقيع معه، لكنه كان يواصل الرفض من أجل الاستمرار مع ليون حتى 2010.

لكن عندما يكون فلورنتينو بيريز مقتنعًا جدًا بلاعب ما، سيفعل أي شيء ليُتم تلك الصفقة في غضون ثوانِ..

ماذا ستفعل عندما تفتح باب منزلك فتجد الطارق هو “بيريز” بنفسه! رئيس ريال مدريد أمام باب منزلك ويريدك في فريقه! ماذا ستفعل بحق الجحيم؟!

لم يحتاج بيريز لمترجم فهو كان يتقن الفرنسية من أجل تلك المقابلة تحديدًا، ما سهل على كريم بنزيما الاقتناع بكل ما قيل ولم يُقال حتى.. ووقع على الفور وانتقل بتلك الطريقة من ليون إلى ريال مدريد.

هناك في ريال مدريد وهنا نتحدث عن البدايات!

العادي في كل مكان أن البدايات تأتي بكل جميل للجميع ومن ثم يأتي الملل والفتور وفقدان الشغف، لكن في حالة كريم بنزيما جاء كل شيء بالعكس!

عاني بنزيما كثيرًا في بداية مشواره مع الميرينجي في ظل وجود كريستيانو رونالدو وعدد من النجوم البارزين، ما زاد من الطين بله هو كثرة إضاعة الفرص التي كان يُضيعها دائمًا بغرابة شديدة أمام المرمى.

حتى أن الكثير من مشجعي ريال مدريد كانوا يطالبونه بمغادرة النادي ويصفون الصفقة بالمعطوبة! وبرغم أنه كان واحد من أبطال ليلة “العاشرة” لكن الجميع التف حول رونالدو وتركه وحيدًا.

ظل الوضع هكذا حتى غادر كريستيانو رونالدو ريال مدريد عام 2018، الجميع تنبأ بانهيار الميرينجي لعدم قدرة كرة القدم أن تنجب أسطورة أخرى مثل رونالدو يحمل فريقهم على كتفه.. لكن لا أحد كان يعلم هناك أن لديهم أسطورة أخرى لم يهتم بها أحد ولم يؤمن بها أحد.

الرجل الأول ولا أحد غيره

رجل خجول ويحمل من الصبر قدرًا كبيرًا لا يقدر بدونه على مواجهة ما واجهه في البرنابيو.. تجده دائمًا مبتسمًا وبسيطًا جدًا.. حتى إنه اختار لطفله الأول إسم “إبراهيم” فتشعر أنه قريب جدًا منا.

لم يحتاج كريم بنزيما للوقت، فبعد خروج رونالدو من ريال مدريد، وفي أول موسم ظل هناك وحيدًا في هجوم الميرينجي، سجل 30 هدفًا وقدم 11 تمريرة حاسمة في موسم 18/19! ليحقق لقب هداف الميرينجي في كل المسابقات تقريبًا.. رجل رفض الخضوع لجراحة في يده حتى لا يبتعد عن الفريق الأبيض لأشهر ربما ستضع الفريق في مأساة، حتى تطور الأمر لتأجيل خطوة الجراحة لسنوات تلو الأخرى.

ظل بنزيما يخطف الأضواء إليه ويكتسب ثقة افتقدها كثيرًا في الماضي حتى تحول إلى ماكينة أهداف لا ترحم أحد! بخلاف تحسن غزارته التهديفية إلا إنه لم يفقد أبدًا القدرة على العودة إلى الخلف للمساندة في الدفاع وبناء الهجمات مثلما كان يفعل الطبيعي لرونالدو!

بعد رحيل رونالدو أصبح هناك بنزيما، سيطر الفرنسي مع ريال مدريد على كل المسابقات ووضع بصمته بقوة هنا وهناك، حتى أصبح هداف الميرينجي في جميع البطولات في الموسم الأخيرة.. وجلب للملكي لقب الدوري الإسباني أخيرًا وبعد غياب، بخلاف أنه سيطر على لقب هداف الليجا.

ففي الموسم الماضي مثلًا، تفجرت كل طاقاته حتى حصد كل الألقاب الممكنة مع الميرينجي؛ الليجا والسوبر الإسباني ودوري أبطال أوروبا (اللقب المفقود منذ 2018) وكذلك السوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية.

قدم كريم بنزيما كل شيء ممكنًا في كرة القدم طوال الموسمين الماضيين، حتى استحق فعلًا كل شيء، فأصبح الأفضل بالعالم في الجائزة الأشهر على الإطلاق؛ الكرة الذهبية.. وكأن الذهب صُنع للذهب، كان الجميع سعيد والفرح يدوي بين الحاضرين، حتى والدته وعائلته لم ينتظروا عودته إلى المنزل وانهالوا بالزغاريد داخل قاعة الاحتفال ولحظة استلامه الجائزة.. في لحظة تاريخية ستظل عالقة في ذهن بنزيما كثيرًا.

خلال المواسم الماضية.. تخطى كريم أسطورة الميرينجي ألفريدو دي ستيفانو الموجود في قائمة الهدافين التاريخيين لريال مدريد، والذي كان يقف ثالثًا بين الهدافين برصيد 308، ومن ثم حطم رقم الأسطورة راؤول جونزاليس ثاني الهدافين وصاحب الـ 323 هدفًا.

والآن بنزيما هو وصيف الهدافين التاريخيين، يقف بعد رجل واحد فقط، كريستيانو رونالدو صاحب الـ 450 هدفًا.. أسطورة لطالما كان الرجل الثاني في كل الروايات حتى نفض الغبار عن نفسه وبات البطل.. فلا يليق بأساطير ريال مدريد إلا أن يصبحوا أبطال مثله.