فانوس رمضان.. فيسنتي ديل بوسكي الذي قاد إسبانيا لطريق الذهب
في شهر رمضان المبارك تتزين الشوارع بالفوانيس، ويتهادى به الأحباء، هدية قيمة وثمينة تصنع بشكل مبتكر كل عام ليتماشى مع تطورات العصر وتظل قيمته مهما اختلف الزمن وتقول الأسطورة بأن له قدر من السحر على تحقيق المعجزات وتحويل الأحلام إلى حقائق وواقع ملموس.
هديتنا في رمضان ستكون فانوس يومي، في صورة لاعب أو مدرب كان له مفعول السحر في اسعاد جماهيره، وتقديم لهم البطولات على طبق من ذهب وادخل في قلوبهم سرور يساوي فرحتك بأول فانوس جلبه لك أحد والديك في طفولتك. وهي الفقرة اليومية طوال شهر رمضان على موقع 365Scores
في الحلقة الثالثة عشر من “فانوس رمضان” سنعود بكم مرة أخرى إلى أحد سحرة إسبانيا الذي قام بصنع تاريخ كروي جديد لبلاد راقصي الفلامنكو، وهو المدرب القدير فيسنتي ديل بوسكي.
ليس كمدرب فقط، ديل بوسكي أيضًا كان واحدًا من أبرز الشخصيات المؤثرة في كرة القدم بشكل عام، وكرة القدم الإسبانية بشكل خاص.
حيث أنه قدم المزيد أثناء ممارسته للعبة بشكل احترافي في شبابه، بالإضافة إلى أنه دون أسمه بحروف من ذهب مع واحد من أكبر أندية العالم، ريال مدريد، كلاعب ومدرب.
وعلى مستوى التدريب، قام بصناعة معجزات كروية بعد بناء فريق قوي لمنتخب إسبانيا لا يمكن أن يقهر وحقق معه العديد من الإنجازات، وكانت هي الحقبة الأنجح في تاريخ منتخب لا روخا عقب معرفته لطريق الذهب عن طريق أفكار المدرب المخضرم، على الرغم من توليه قيادة منتخب بلاده لمدة 6 سنوات فقط.
نشأته وكيف بدأت مسيرته مع الساحرة المستديرة
ولد ديل بوسكي يوم 23 ديسمبر عام 1950 بمدينة سالامنكا بالقرب من العاصمة الإسبانية مدريد وترعرع في هذه المدينة إلى جاء وقت بدايته مع الساحرة المستديرة.
الشاب الإسباني بدأ مسيرته مع نادي البلد الذي ترعرع فيه، حيث أنه انضم لشباب نادي سالامنكا عن عمر يناهر 18 عامًا تقريبًا.
ولعب ديل بوسكي في البداية كمهاجم، إلا أنه تم توظيفه فيما بعد من قبل المدربين كلاعب خط وسط مدافع بمزايا هجومية كبيرة.
وبعدما أثبت كفاءته مع فريق الشباب بنادي منشأه، وعلى الرغم من صغر سنه، نجح في حجز مقعدًا له بالفريق الأول بالنادي في وقت قصير للغاية.
خطف فيسنتي الأنظار في مدينة مدريد بكفاءته ومهاراته، مما جعل أعين النادي الأكبر في العاصمة الإسبانية، ريال مدريد، تتوجه نحو الشاب الإسباني وينجح الميرينجي في ضمه بشكل نهائي من فريقه في 1971.
إلا أنه في البداية، نظرًا لصغر سنه، كان من المفترض أن يبدأ مسيرته مع الميرينجي في فريق ريال مدريد ب أو الكاستيا، وهو فريق الرديف في النادي الملكي، والذي كان يشارك في دوري الدرجة الثانية في ذلك الوقت.
وعلى الرغم من ذلك، فإن ريال مدريد قرر إعارته إلى نادي قرطبة الإسباني لمدة موسم وعاد من جديد للنادي الملكي ليجد نفسه يشارك بجوار كبار الميرينجي ونجوم الفريق الأول للوس بلانكوس بالرغم من صغر سنه.
مسيرته الفعلية مع ريال مدريد بدأت في عام 1973، وأبدع ديل بوسكي مع فريقه في 11 سنة خاضها بين جدران النادي الملكي بعدما شكل خط وسط ناري بجوار نيتزر وفيلاسكيز وبيري مع النادي الملكي.
حيث أنه نجح في الفوز بلقب الدوري الإسباني 5 مرات مع الميرينجي، جاءت في أعوام 1975 و1976 و1978و1979و1980، بالإضافة إلى 4 ألقاب أخرى من كأس ملك إسبانيا جاءت أيضًا في أعوام 19974و1975و1980و1982، وكان من ضمن اللاعبين الذي وصلوا بريال مدريد إلى نهائي كأس أوروبا للأندية الأبطال، في موسم 1980/1981، لكنه خسر اللقب مع فريقه في ذلك العام.
شارك مع الريال في 339 مباراة رسمية، وعلى الرغم من كونه لاعب وسط مدافع، إلا أنه تمكن من تسجيل 25 هدفًا في مسيرته مع الميرينجي، وعلى المستوى الدولي يمتلك 18 مشاركة مع منتخب إسبانيا وسجل هدفًا وحيدًا، وكان من ضمن قائمة لا روخا في يورو 1980، قبل أن يعلق حذائه بشكل نهائي في عام 1984.
دخول عالم التدريب
وبعد قرار اعتزاله، قرر ديل بوسكي أن يتجه إلى خطوة جديدة في حياته وهي الدخول في عالم التدريب، حيث أنه بدأت مسيرته التدريبية بشكل سريع عقب اعتزاله بعدما تولى منصب المدرب المساعد لفريق الكاستيا بنادي ريال مدريد في نفس العام الذي أعلن فيه اعتزاله.
قدم المدرب الإسباني الشاب في ذلك الوقت مجهود رائع أثناء تواجده في هذا المنصب، وهو ما جعله يتولى المدير الفني لفريق الكاستيا بعد 3 سنوات فقط من عمله كمدرب مساعد في الفريق.
مسيرته تواصلت مع الميرينجي إلى أن قرر النادي الملكي إسناد مهمة الإدارة الفنية لأكاديمية الشباب، بالإضافة إلى فريق الشباب، في النادي في عام 1990، وهي الفترة التي استمرت لمدة 4 أعوام.
قبل أن يقرر النادي تعيينه لأول مرة مدربًا للفريق الأول بالنادي في عام 1994، لكن هذه المرة كانت بشكل مؤقت قبل الأمتار أخيرة من إنهاء الموسم، وهو ما تكرر أيضًا في عام 1996 لمدة مباراة وحيدة بشكل مؤقت، لكنه عاد مرة أخرى لقيادة شباب النادي.
النقلة الأكبر في تاريخه المحلي، كانت عندما تولى قيادة الفريق الأول للميرينجي بشكل دائم لأول مرة في تاريخه التدريبي في عام 1999 واستمر مع الفريق لمدة 4 أعوام قاد فيها النادي الملكي في 233 مباراة في جميع البطولات المختلفة، حقق خلالهم 127 فوزًا و55 تعادلًا و51 هزيمة.
في هذه الفترة، نجح ديل بوسكي في إعادة الميرينجي للهيمنة والسيطرة على معظم الألقاب المحلية والقارية، حيث أنه فاز بدوري أبطال أوروبا مرتين في عامي 2000 و2002، بالإضافة إلى أنه حقق لقبين من الدوري الإسباني في عامي 2001 و2003.
علاوة على لقب وحيد من كأس السوبر الأوروبي في عام 2003، ولقب كأس الإنتر كونتنينتال للأندية في نفس العام، ولقب وحيد من كأس السوبر الإسباني في عام 2002، ومع تحقيقه لكل هذه الإنجازات، فإنه حصل أيضًا على جائزة أفضل مدرب في العالم للأندية مع ريال مدريد في عام 2001.
وبعد رحيله عن ريال مدريد، عاد مرة أخرى للتدريب عن طريق نادي بشكتاش التركي في عام 2004، لكن بعد عام وحيد دون الفوز بأي ألقاب مع النادي التركي، تولى منصب المدير الرياضي لنادي قادش في يونيو 2007 بتجربة استمرت لمدة 4 أشهر فقط.
الوصول للمجد الكروي مع إسبانيا
رحيله عن قادش لم يكن نذير شؤم بالنسبة له، حيث أنه بعد أشهر قليلة تقرر أن يتولى القيادة الفنية لمنتخب إسبانيا الأول لكرة القدم في نقلة هي الأكبر والأشهر في تاريخه التدريبي خلفًا للمدرب الشهير الأخر لويس أراجونيس.
ولحسن حظه، في هذه الفترة بالتحديد، أنجبت إسبانيا العديد من المواهب الكروية، لعل أبرزهم لاعبي برشلونة الإسبان الذين نجحوا في تحقيق المزيد من الألقاب مع النادي الكتالوني في ذلك الوقت، يأتي على رأسهم النجوم إندرياس إنييستا وتشافي هيرنانديز وبويان كركيتش.
بالإضافة إلى لاعبين كبار أمثال المهاجم المخضرم ديفيد فيا، ومواطنه فرناندو توريس، الذان برعا في ذلك الفترة تحت قيادة ديل بوسكي مع منتخب لا روخا.
علاوة على مدافعين مثل النجم سيرجيو راموس وجيرارد بيكيه في بداية مسيرتهم الكروية، بحراسة أمينة لشباك إسبانيا من جانب الحارس الأسطوري لريال مدريد إيكر كاسياس.
وبهذه المعطيات، نجح ديل بوسكي في تكوين فريق مرعب لا يقهر من أي منتخب أخر في العالم، وتمكن من وضع منتخب بلاده على رأس التصنيف الرسمي الذي يصدر بشكل شهري من الفيفا لفترة طويلة للغاية.
إسبانيا تعرف طريق الذهب مع ديل بوسكي
بدأ ديل بوسكي يجني حصاد ما زرعه بعد عامين فقط مع المنتخب الإسباني، حيث أنه نجح في حصد أولى ألقابه على المستوى الدولي مع منتخب لا روخا.
وكان هذا اللقب هو الأغلي في تاريخه، حيث أنه توج بكأس العالم 2010 الذي أقيم في جنوب إفريقيا بعد التفوق على هولندا في المشهد الختامي بهدف إنييستا الشهير، وتعتبر هذه هي المرة الاولى والوحيدة التي توجت فيها إسبانيا بالمونديال طوال تاريخها الكروي.
مما جعل الإسبان يضعوا ديل بوسكي على الأعناق بعدما دخل التاريخ من أوسع أبوابه مع منتخب بلاده وحقق لقب أغلى بطولة في عالم الساحرة المستديرة.
المدرب الإسباني لم يتوقف عند هذا الحد، حيث واصل هيمنته وسيطرته على باقي أوروبا بفريقه الذي كونه منذ أعوام قليلة، حيث أنه توج أيضًا ببطولة كأس الأمم الأوروبية “يورو” 2012 التي أقيمت في دولتي أوكرانيا وبولندا بعد التفوق على منتخب إيطاليا برباعية نظيفة في المباراة النهائية للبطولة، وهو ما يعد ثالث ألقاب منتخب لا روخا في تاريخ بالبطولة والثاني على التوالي.
وإلى جانب ذلك، فإن ديل بوسكي واصل مسيرته على صعيد الفوز بالجوائز الكبرى بعدما فاز بجائزة أفضل مدرب في العالم 4 مرات مختلفة في أعوام 2009 و2010 و2012 و2013.
بداية النهاية
وبعد ما يقرب من 6 أعوام من السيطرة على أوروبا والعالم، بدأ مستوى منتخب إسبانيا يهبط بشكل تدريجي تحت قيادة ديل بوسكي، حيث أنه بدأت أولى الإخفاقات عندما شهد كأس العالم 2014 بالبرازيل مفاجأة مدوية بتوديع منتخب إسبانيا للبطولة من دور المجموعات.
لكن كانت هناك مؤشرات تدل على هذه المفاجأة الحتمية، حيث أن المنتخب الإسباني خسر أولى مبارياته بمونديال 2014 بخماسية مقابل هدف في مباراة ثأرية أمام منتخب هولندا الذي خسر اللقب لصالح منتخب لا روخا في 2010.
وعلى الرغم من ذلك، استمر ديل بوسكي في قيادة منتخب إسبانيا فنيًا على أمل أن يعود مرة أخرى ببناء فريق قوي جديد لمنتخب بلاده لاجتياح العالم من جديد.
لكن على عكس كل التوقعات، فشل ديل بوسكي في تحقيق ذلك الأمر وتلقى صدمة مدوية جديدة بالخروج من يورو 2016 من دور الستة عشر بمواجهة ثأرية جديدة على يد المنتخب الإيطالي.
وكانت هذه هي القشة التي قسمت ظهر البعير وأطاحت به من تدريب منتخب بلاده لتتوقف مسيرة المدرب الإسباني الأسطوري عند هذا الحد في 2016.