فانوس رمضان – روبرتو مانشيني الهدية التي أعادت إيطاليا بين الكبار
في شهر رمضان المبارك تتزين الشوارع بالفوانيس، ويتهادى به الأحباء، هدية قيمة وثمينة تصنع بشكل مبتكر كل عام ليتماشى مع تطورات العصر وتظل قيمته مهما اختلف الزمن وتقول الأسطورة بأن له قدر من السحر على تحقيق المعجزات وتحويل الأحلام إلى حقائق وواقع ملموس.
هديتنا في رمضان ستكون فانوس يومي، في صورة لاعب أو مدرب كان له مفعول السحر في اسعاد جماهيره، وتقديم لهم البطولات على طبق من ذهب وادخل في قلوبهم سرور يساوي فرحتك بأول فانوس جلبه لك أحد والديك في طفولتك. وهي الفقرة اليومية طوال شهر رمضان على موقع 365Scores
في الحلقة السابعة من “فانوس رمضان” سنغوص مع روبرتو مانشيني في رحلة الرجل المجنون الذي آمن بجيل من الشباب لإعادة مجد إيطاليا ونفض الغبار عن كل الأقاويل القديمة التي التصقت بالأتزوري.
عاش مانشيني حالة حزن شديدة حين جاء إلى ملعب “سان سيرو” لمتابعة مباراة مصيرية ربما كانت ستضع الأتزوري في كأس العالم 2018، لكن إذا تحقق هذا وقتها لم يكن ليُكتب له التواجد على المقعد الأزرق يومًا ما.
انتهت مباراة إيطاليا والسويد بنتيجة 0-0، وهرع كامل اللاعبين على أرضية الملعب من شدة الحزن الذي شعروا به لفشلهم في التأهل لكأس العالم للمرة الأولى منذ 60 عامًا.
طُرح إسم مانشيني على طاولة الاتحاد الإيطالي لكرة القدم ليكون خلفًا للمدرب الكارثي فينتورا، الذي وضع نقطة سوداء للمرة الأولى في تاريخ مشوار الأتزوري في بطولة كأس العالم.
فكرة الموافقة على تحمل آثار ما تركه “فينتورا” خلفه قبل رحيله، والمستوى الذي ظهر عليه نجوم منتخب إيطاليا خلال السنوات التي ربما كان الطليان يُشبهونها بـ”العجاف”.. عجاف تمامًا في الأداء والمجهود المبذول من جانب اللاعبين.
محبو الأتزوري عاشوا مشهد لا يُنسى أبدًا، حين خرج جيانلويجي بوفون وهو يبكي أمام الكاميرات ويعتذر بكل كلمات الاعتذار المتاحة أمامه في الكون الواسع، يتخلل المشهد لحظة صمت قبل إعلانه عن اعتزاله الدولي نهائيًا.
حتى جاء طوق النجاة سريعًا.. “مونشيو” كما تطلق عليه الصحف الإيطالية.. المجنون الذي عمل بجد وتحلى بشجاعة كافية لتحمل ترميم كل الأشياء التي هدم فينتورا معاييرها تمامًا مع الأتزوري من قبله.
بداية التغيير
أخذ المدرب الإيطالي المخضرم مانشيني عهدًا على نفسه بأنه سيفعل ما لم يفعله أي شخص من قبله، سيغير طريقة اللعبة الكلاسيكية التي عفا عليها الزمن.. لن نعتمد على الطريقة الدفاعية أو الكاتيناتشو الشهيرة تلك.
بداية من عهد مانشيني ستصبح كرة إيطاليا هي الهجوم، سنُدافع لكن لن نترك المباراة تسير بنا مثلما تشاء، سنكون نحن من يُحرك التيار ونعود كحصن منيع أمام كافة الطواحين التي تشرع في اختراق الحصن.
صحف إيطاليا بعدما خرج قرار رسمي بتعيين مانشيني مدربًا لمنتخب إيطاليا في مهمة “أكون أو لا أكون”، خرجت كافة لتذكر المدرب الجديد بأن مسيرته مع الأتزوري كانت فاشلة!
نعم! صحيفة “لاجازيتا” مثلًا، قالت أن مانشيني مهاجم لاتسيو وسامبدوريا السابق أمام فرصة ثانية من أجل كتابة التاريخ مع منتخب بلاده الذي فشل معه وهو لاعب في تحقيق أي لقب.
مانشيني كان قد ظهر بقميص إيطاليا في 36 مباراة دولية كلاعب كرة قدم، وسجل خلالهم فقط 4 أهداف، ولم يتوج بأية ألقاب!
أما مانشيني فقد شاهد ورأى جيدًا كل ما يدور من حوله سواءً في الصحف أو البرامج التلفزيونية.. لكنه لم يتأثر. شرع فقط على بداية مشروعه الفريد مع إيطاليا ووجد أن الشباب هم الذين سيساعدونه في تغيير الكرة الدفاعية والبدأ بالهجوم!
وظهر ذلك الأمر جليًا في المعسكرات الدولية التي جاء عقب تأكد إيطاليا من عدم المشاركة في كأس العالم! بداية من مباراة السعودية الودية التي حسمها الأتزوري بسهولة، بعدما طبق الكرة الهجومية الخاصة به لأول مرة، ليبعث رسالة قوية للجميع مفادها بأن إيطاليا ستتغير.
مانشيني سبق وقال في أول مؤتمر صحفي له في إحدى المعسكرات الدولية!، أنه لم ينسى أبدًا تصريح يوهان كرويف، أسطورة برشلونة ومنتخب هولندا، الذي قال فيه: منتخب إيطاليا لا يقدم كرة قدم من أجل الفوز بطريقة ممتعة، هم فقط يمكنهم التغلب على المنافسين بنتائج ضعيفة “.
حينها نظر مانشيني في أعين الصحفيين الجالسين أمامه، وأبلغهم بصرامة أنه تعهد بتغيير تلك الصورة عن منتخب إيطاليا.. لن ندافع بعد اليوم.
شخص مجنون واحد وثق بنا.. روبرتو مانشيني
نجح مانشيني في التأهل مع منتخب إيطاليا للمشاركة في بطولة كأس الأمم الأوروبية “يورو 2020” قبل انتهاء مباريات التصفيات المؤهلة للبطولة بحوالي 3 مواجهات كاملة! ما أذهل الجميع في إيطاليا ليرفعوا سقف الطموح عاليًا متمنيين التتويج باللقب الثاني لهم في تاريخهم.
وجاء الموعد أخيرًا لانطلاق بطولة يورو 2020، إيطاليا التي تكبدت الآلاف كضحايا وموتى بسبب جائحة كورونا، ستخرج من تحت الركام الآن لتبلغ العالم بأنها لا تزال ها هنا بين الكبار!
يقف مانشيني ببذلته الأنيقة المطرز عليها شعار منتخب إيطاليا، وبهدوء معهود عنه في انتظار صافرة البداية لانطلاق الحلم الأول.. وربما لن يكون الأخير؟!
انطلقت بطولة يورو 2020.. وقائمة الأتزوري تضم عدد لا بأس به من اللاعبين الشباب، وكأس مانشيو يرغب في إيصال رسالة للمدربين في الدوري الإيطالي بضرورة الاعتماد على الشباب لمساعدته في الاستغناء عن الكرة الدفاعية التي عهدوها منذ قديم الآزل.
لعل الجماهير التي لم تكن تتابع منتخب إيطاليا في السابق ومنذ تولي مانشيني المهمة، تفاجئت بما ظهر عليه الأتزوري في مباريات يورو 2020.. ظل الأزرق يواصل الرهان على الحلم الذي وضعونه نصب أعينهم ويرفضون أبدًا التنازل عنه حتى أن البعض قال أن منتخب إيطاليا سيكون “الحصان الأسود”! والبعض راهن معهم بأنهم الأبطال بلا شك!
” شخص مجنون واحد فقط وثق بنا قبل ثلاث سنوات وكان هذا هو مانشيني “، كانت تلك كلمات “فيدريكو بيرنارديسكي” لاعب تورينو ومنتخب إيطاليا، بعد تأهل الأتزوري إلى نهائي يورو 2020، بعد الفوز على إسبانيا بركلات الحظ 4-2.
حتى جاءت اللحظة. منتخب إيطاليا وصل إلى نهائي يورو 2020 ليضرب موعدًا مع منتخب إنجلترا ليصبح أحدهم بطلًا والآخر وصيفًا للبطل!
وتوّج الأتزوري أخيرًا باللقب.. بعد مباراة ماراثونية تدخلت ركلات الحظ الترجيحية لإنهائها ووضع كلمة النهاية فيها، ليُحمل مانشيو على الأعناق بعدما حمل حلم الطليان كافة ولم يتهاون إلا بتحقيقه.
إيطاليا هي الأميرة الآن على عرش أوروبا.. الجميع يتغنى بالطليان.. والجميع في إيطاليا أصبح سعيد للمرة الأولى بعدما كانت الشوارع قد اكتست باللون الأسود حدادًا على ضحايا كوفيد-19. الآن يمكن لمن شاهد إيطاليا من السماء أن يفرح.
ليست المرة الأولى
كانت بداية مشوار مانشيني في عالم التدريب في كرة القدم، بدأ مع فيورنتينا عام 2001، وبعد الفوز معهم بكأس إيطاليا.. الحظ لم يحالفه فهبط الفريق البنفسجي إلى الدرجة الثانية بسبب سوء النتائج في الدوري.
رحل إلى لاتسيو وهناك بدأ مرحلة جديدة في مسيرته التدريبيةالذي ساهم في وصوله إلى دوري أبطال أوروبا منذ زمن. ووصل مع فريقه إلى نصف نهائي البطولة.
وبالرغم من النتائج الطيبة التي حققها مع لاتسيو، لكن لم يستمر مانشيو في الأولمبيكو أيضًا، فرحل بعدما انجذب لاهتمام إنتر ميلان الذي اعتزم على التوقيع معه.
وفي يوليو 2004، حصل مع إنتر ميلان على أول لقب محلي منذ عام 1989، حيث كان هذا اللقب أول الألقاب التي جعلت الإنتر المفريق المهيمن على كل البطولات في ذلك الموسم!
وفي الموسم التالي، فاز إنتر بكأس إيطاليا بعدما خطف اللقب من يوفنتوس الذي كان مهيمنًا على تلك الفترة ، لكنه استطاع الفوز بلقب الدوري الإيطالي مرتين عقب اللقب الأول، ليصبح ثالث مدرب في تاريخ إنتر ميلان يفوز بالدوري الإيطالي ثلاث مرات متتالية بعد ألفريدو فوني.
في ديسمبر 2009، وبعد ابتعاده عن التدريب لفترة، تم إسناد مهمة تدريب مانشستر سيتي لمانشيني! في مفاجأة غير متوقعة، ليحمل مشروع المستثمر الإماراتي على كتفه بعد فترة متخبطة عاشها السكاي بلو من قبله!
وكأن مانشيني خُلق لأجل تلك اللحظات، لأجل أن يصبح فانوس يضيء لكل من يرتبط إسمهم بإسمه الطريق، مرآة لهم ليسهل عليهم الطريق، يضع الجميع على أول الخط وأن قُدر له أن يسير معهم للنهاية لا بأس سيسير..
كُتب لمانشيني أن يرفع لقب البريميرليج الأول مع مانشستر سيتي الذي انتشلهم من مؤخرة الترتيب ليضعهم في قمة المجد، فبعدما جاء كمدربًا للسيتي في منتصف الموسم وضعهم في نهايته في المركز الخامس.
وفي الموسم الثاني معهم وضعهم في وصافة الترتيب بفارق نقاط بسيطة عن الغريم مانشستر يونايتد، وفي موسم 11/12، خطف لقب البريميرليج وسط ذهول الجميع.. مانشستر سيتي الذي كان يعاني الآمرين بطلًا للدوري الإنجليزي ؟! كيف ؟ كيف يمكنك الجرأة على هذا السؤال ومانشيو هو المدرب ؟!
بطبيعة الحال.. انتهت فترة مانشيني مع مانشستر سيتي وغادر إلى جلطة سراي، لكن أبدًا ذكراه مع النادي السماوي لن تُنسى.. فقد وضع الفريق على أول الطريق وتركه يكمل البقية.. كان الفانوس والمنارة لمن جاء من بعده.