فانوس رمضان – بيب جوارديولا “العصا السحرية” التي تجعل المستحيل ممكنًا
في شهر رمضان المبارك تتزين الشوارع بالفوانيس، ويتهادى به الأحباء، هدية قيمة وثمينة تصنع بشكل مبتكر كل عام ليتماشى مع تطورات العصر وتظل قيمته مهما اختلف الزمن وتقول الأسطورة بأن له قدر من السحر على تحقيق المعجزات وتحويل الأحلام إلى حقائق وواقع ملموس.
هديتنا في رمضان ستكون فانوس يومي، في صورة لاعب أو مدرب كان له مفعول السحر في اسعاد جماهيره، وتقديم لهم البطولات على طبق من ذهب وادخل في قلوبهم سرور يساوي فرحتك بأول فانوس جلبه لك أحد والديك في طفولتك. وهي الفقرة اليومية طوال شهر رمضان على موقع 365Scores
في الحلقة الحادية عشر من “فانوس رمضان” سنتجول في إسبانيا وتحديدًا بين شوارع إقليم كتالونيا التي كانت شاهدة على أسطورة يتحاكى بإسمها العالم لكن كمدرب بعدما لم تبتسم له الحياة كثيرًا كلاعب.. هو الفيلسوف بيب جوارديولا.
خرج من فريق يوهان كرويف ليكمل مسيرة أسطورة تحاكى عنها الزمان لأجيال لم تشاهده بالأساس.. ملك التيكي تاكا الإسبانية وأكثر من طبقها بصرامة ودقة مبالغ فيها مع برشلونة.
رجل خمسيني رشيق جدًا.. لا يُحب أن يُقيده الزي الخاص بالأندية التي يُدربها، فعادة ما يظهر بزي كلاسيكي أو أزياء شبابية تعكس للناظرين إليه دائمًا بأنه لا يزال في الثلاثينات من عمره!
نظراته صارمة وحادة جدًا، ردات فعله عصبية جدًا.. لن يفشل في كل مرة في إعطائك تعبيرات جديدة بوجهه سواء كان غاضبًا أو سعيدًا الآن.. وبالطبع، لن نغفل عن مشاهده الشهيرة وهو يشرب المياه في كل لحظة يجد فريقه محاصرًا داخل الملعب، لعلها كانت اللقطة المحببة للعاملين على إخراج المباريات في فترة من مسيرته!
بيب جوارديولا الشاب الذي شق طريقه في الملاعب الإسبانية، بعقل مختلف وأفكار استثنائية، فدائمًا ما كان يضع أمامه فقط، كيفية الفوز بلقب على الأقل مع برشلونة، في ظل امتلاكه جيل مميز يتمتع بالمواهب الخارقة، يأتي في مقدمتهم ليونيل ميسي.. إلى جانب تيري هنري ورونالدينيو وديكو وزامبروتا وآخرين من الجيل الذهبي للبلوجرانا.
بيب جوارديولا اللاعب.. عندما يكتشفك يوهان كرويف
انطلاقة المدرب الأسطوري جوارديولا المشرقة كُتبت بدايتها من برشلونة عام 1984، حين نجح في الاختبارات الخاصة بالالتحاق بأكاديمية النادي الكتالوني، ومنذ ذلك الحين كان يتدرج بين الفئات العمرية داخل النادي بسهولة كبيرة، متسلحًا بثقل موهبته ودهائه الذ يتمتع به منذ مراهقته.
حتى كُتب له القدر أن ينضم إلى الفريق الأول لنادي برشلونة في موسم 1990/1991، تلك الحقبة الذهبية التي لا يغفل عنها مشجعي البلوجرانا، وتحديدًا لأن “يوهان كرويف” بنفسه كان مدربًا للفريق.. الأسطورة الهولندية التي يتحاكى بإسمها التاريخ في فصول عدة.. سواءًا فيما قدمه لمنتخب بلاده في كأس العالم والبطولات القارية، وكذلك لما ظهر عليه مع برشلونة حتى قادهم للمجد كلاعب ومدرب!
وجد كرويف في “بيب” الشاب المهارات والمراوغات التي يريدها تمامًا في لاعب خط الوسط الذي يحلم به في فريق الأحلام خاصته، فقرر تصعيده إلى الفريق الأول لبرشلونة، واعتمد عليه بشكل أساسي في تشكيلته وهو لم يكمل عامه الـ 20 بعد.
في نهاية موسمه الأول كلاعب مع فريق برشلونة الأول، تم اختيار “بيب” ضمن قائمة أفضل لاعب تحت 21 عامًا في العالم والخاصة بمجلة “جيران سبورتيفو” الإيطالية. وتحديدًا بعدما لعب دور في فوز البلوجرانا بلقب الدوري الإسباني.
ظل بيب منذ ذلك الحين ضمن تشكيلة برشلونة الأساسية، ونجح في تأمين لقبي الليجا في الموسمين التاليين، فأصبح برشلونة مسيطرًا على اللقب حتى نهاية موسم 1994. وفي الموسم نفسه وصل برشلونة مع يوهان كرويف إلى نهائي دوري أبطال أوروبا ليصطدم بميلان هناك ويخسر اللقب بطريقة كارثية بنتيجة 4-0.
تراجع أداء برشلونة عما كان معهودًا عليه في السابق، حتى أنه وقف في المركز الرابع في موسم 94/95 وحلّ في المركز الثالث في موسم 95/96.
غادر يوهان كرويف تدريب برشلونة بعدما بات لقب الفريق بجهوده يُدعى بـ”فريق الأحلام”.. وظل بيب جوارديولا اللاعب أساسيًا ضمن تشكيلة الفريق الأول، حتى دخل في فترة قاسية مليئة بالإصابات المختلفة بدأت في 1998 وانتهت في 2000. حيثث خضع لجراحة في الساق قبل أن يتعرض لإصابة في الكاحل حرمته من العودة لمستواه المعروف.
في عام 2001، خرج بيب جوارديولا اللاعب للإعلان عن رغبته في وضع كلمة النهاية في مسيرته مع برشلونة، وغادر النادي بعدما قضى بين صفوفه 17 عامًا كلاعب وسط محوري عبقري لا مثيل له.
خرج بيب فيما بعد ليقضي فترات احترافية قصيرة في أوروبا بدأها مع “بريشيا” ثم “روما” الإيطاليين، حتى غادر إلى آسيا عبر بوابة “الأهلي القطري” في 2003، ومنه إلى فريق “دورادوس دي سينالوا” في المكسيك الذي ظل يرتدي قميصه لمدة موسم قبل اعتزاله نهائيًا.
البداية دائمًا ما تصنع كل شيء.. بيب جوارديولا ورحلته مع برشلونة
قضى “بيب” فترة بعد اعتزاله كرة القدم من أجل الحصول على رخصة التدريب ليبدأ فصلًا جديدًا في مسيرته، فصلًا سيضعه في مكانة مغايرة تمامًا، سيصبح هو البطل الأول ومن بعده يأتي إنجاز الفريق، بعدما عاش سنوات طويلة مع برشلونة لا يتذكره أحد سوى كونه مساهم بهدف أو صاحب نقطة النور الوحيدة في الملعب خلال فترة ما.
حتى جاء عام 2007 تم تعيين بيب كمساعد مدرب لـ”تيتو فيلانوفا” في فريق الشباب في برشلونة، كأول مهمة يتولاها في مسيرته كمدرب.
لم يمر سوى موسم وحيد حتى أثبت جدارته في منصبه، بعدما تألق مع فريق الشباب وحقق العديد من الانتصارات، ليتفاجئ الجميع قبل نهاية موسم 2008، بإصدار فرمان من رئيس برشلونة حينها؛ خوان لابورتا، يمنح مهمة تدريب الفريق الأول للبلوجرانا إلى جوارديولا ليحل خلفًا للمدرب فرانك ريكارد.
وفي أول قرار أتخذه “بيب” كمدرب مع برشلونة، هو رغبته في الاستغناء عن كلًا من: ديكو ورونالدينيو وصامول إيتو إلى جانب ليلليان تورام وعدد كبير من اللاعبين الآخرين! ومن هنا بدأ مرحلة الإحلال والتجديد على أكمل وجه.
كان أول خطوات التجديد، قدوم داني ألفيس وسيدو كيتا وإعادة جيرارد بيكيه من احترافه في إنجلترا، وعدة توقيعات أخرى، قبل أن يقوم بتصعيد عدد من اللاعبين إلى الفريق الأول في مقدمتهم سيرجيو بوسكيتس!
خطوات تحتاج إلى رجل شجاع لا يخشى من شيء، وإلا فلن يفكر أي مدرب في التخلي عن لاعبين كبار أمثال ديكو ورونالدينيو في أول موسم له هناك!
لكن بيب المدرب الذي سيطلق عليه “فيلسوف” فيما بعد، كان يعرف ماذا يفعل بالضبط، خاصة بعدما آمن الدوري الإسباني لفريق برشلونة في موسمه الأول، ونجح في تحقيق فوز غير عادي على ريال مدريد وفي معقله في سانتياجو برنابيو بنتيجة 6-2، وبعدها توّج بطلًا لكأس الملك بعد فوزه على أتلتيك بلباو 4-1 في النهائي.
وقبل نهاية الموسم الأول لبيب جوارديولا مع برشلونة، قاد الفريق إلى نهائي بطولة دوري أبطال أوروبا وضرب موعدًا مع مانشستر يونايتد الذي تفوق عليه بنتيجة 2-0، ليحصد اللقب ويصبح موسم تاريخي لـ”بيب” الذي حصد 3 ألقاب “ثلاثية” وأصبح أصغر مدرب في العالم يتوّج بلقب دوري أبطال أوروبا.
استكمالًا لألقاب موسمه الأول؛ فقد نجح فيما بعد بفرض وبسط أسلوب لعبه “التيكي تاكا” على الجميع في إسبانيا وأوروبا والعالم، حتى سيطر على كل الجوائز والألقاب في موسم 2008/2009.. بعدما توّج بالسوبر الإسباني والسوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية! لتصبح السداسية التاريخية التي يتحاكى عنها الأجيال.
ويصبح هو أول مدرب في تاريخ النادي الكتالوني يجمع كل تلك الألقاب في موسم واحد فقط.. موسم استثنائي بكل المقاييس، بدأ بقرار جرئ خرج من قلب شاب يافع شجاع وطُبق بحرافية بأقدام جيل ذهبي أهم سماتهم تتجسد في أعمارهم التي كانت في العشرينات.
لم يتوقف “بيب” المدرب مع برشلونة عند هذا الحد، فقد أنهى فترته في كتالونيا وهو من بين المدربين الأساطير الذين توّجوا بألقاب عديدة، حيث فاز مع البلوجرانا بـ 14 لقبًا.. بينهم لقب الدوري الإسباني 3 مرات متتالية.
وكأس إسبانيا “مرتين”، والسوبر الإسباني “3 مرات متتالية”، ودوري أبطال أوروبا في نسختين، وكأس العالم للأندية “مرتين” والسوبر الأوروبي أيضًا “مرتين”.. هكذا هو جوارديولا مع برشلونة إذا خرج في مهمة في أوروبا يُكملها للنهاية ويسيطر على كل الألقاب المتاحة له.. لكن فقط برشلونة!
انتهت مهمة بيب كمدرب مع برشلونة في 2013، بعدما رحل عن الفريق الكتالوني بعد فترة مميزة جدًا، ليبدأ شوطًا أكبر مع بايرن ميونخ في ألمانيا.. وهناك نجح في تحقيق 7 ألقاب متنوعة.
حتى وصله عرض لا يُرفض من إدارة مانشستر سيتي في عام 2017، ربما هي فترة لا تقل تشويقًا وإثارة عن فترته مع برشلونة لكن ينقصها شيء وحيد.. التتويج بلقب دوري أبطال أوروبا مع السكاي بلو.
حقق بيب مع مانشستر سيتي حتى نهاية مويم 21/22، 11 لقبًا مختلفًا، ما بين سيطرته على 4 ألقاب من الدوري الإنجليزي -الأصعب على الإطلاق- وفوزه بكأس إنجلترا “مرة” وكأس الرابطة “4 مرات” والدرع الخيرية “مرتين”.
رجل ربما يختلف عليه اثنين.. أن كان مدرب لفريق أنت تُشجعه في فترة ما، بالتأكيد ستشعر بالانبهار ناحيته، وإن كان غريمًا لك ومدرب لفريق هو بالأصل خصمك.. ستجد مشاعر الكراهية كلها مجتمعة في قلبك له! لكن تتفق أو تختلف معه ومع ما يقدمه إلا أن بيب جوارديولا سيظل من أساطير التدريب وإن لم يكن واحد من أفضل المدربين في العالم الآن.