سفيان رحيمي.. من التفكير في الاعتزال إلى صناعة المجد الكروي
مع كل ظروف صعبة نمر بها قد تصل بنا إلى طريق مظلم ومسدود، لابد من ضوء في آخر النفق يدفعنا للوصول إليه، الأمل مفتاح النجاة والباب الوحيد للخروج إلى طريق واسع، ينسينا تعب الأيام والسنوات العجاف.
من رحم المعاناة يولد الأمل، ولولا ما مررنا به في حياتنا من صعاب، لما أصبحنا عليه الآن من نجاح، فمن من الناس لم تعاكسه الظروف، ولم تترك بصماتها على قلبه وعقله، ومن منهم لم تفرض تحدياتها عليه، منهم من قاوم تلك التحديات وآخرون استسلموا لها، الأقوياء فقط لا يجاورون المستحيل ولا يعرف اليأس طريقا إليهم، بإرادتهم جعلوا من الظروف الصعبة التي مروا بها حكاية جميلة تنبت للأجيال القادمة من خلال قصها ينابيع الأمل.
قصص كثيرة في الحياة نسمع عنها، أو نصادف أبطالها وأصحابها.. وهنا نحن على موعد مع قصة كفاح للاعب تعرض لصعوبات كبيرة في بداية مسيرته الكروية كانت كفيلة بإنهاء رحلته مع كرة القدم قبل أن تبدأ.
إنه سفيان رحيمي نجم الكرة المغربية، الذي ولد في عام 1996، وسط عائلة رجاوية للنخاع، حيث كان والده محمد حارس مرمى في فرق الفئات السنية قبل أن يمنعه حادث السير من اللعب مع الفريق الأول.
والد سفيان، عرف بحب الرجاء، فعمل بعد إصابته لعدة عقود كموظف في صفوف الرجاء، وتحديدا في منصب المحافظ العام لمركز تدريبات النادي “لوازيس”، حيث كان مسؤولا عن أمتعة اللاعبين ومعدات التدريب، قبل أن يخلفه ابنه الأكبر أمين.
إصابة مبكرة كادت تنهي مسيرة سفيان رحيمي
حياة رحيمي منذ طفولته كان بطلها الأول نادي الرجاء، باعتباره مورد رزقه والده ثم أخيه، فضلا على العشق الكبير الذي تكنه عائلته للفريق.
سفيان التحق بالفئات السنية بنادي الرجاء المغربي، وقدم أداء مميزا، كافأه المدربون بترشيحه للوجود في ملعب “محمد الخامس” جامعا للكرات خلال مباريات فريق الرجاء الأول.
وهناك صورة تاريخية تجمع سفيان مع اللاعب “محسن متولي” بعدما سجل هدفا، لينطلق “سفيان” للاحتفال معه، لم يكن “متولي” يعلم أن هذا الطفل سيكون زميله بعد سنوات معدودة، لكن بعد أن يتخطى التحديات الصعبة التي واجهته.
ذات يوم استيقظ رحيمي على نفس الكابوس الذي تعرض له والده من قبل، رحيمي عانى من إصابة قوية في الركبة أبعدته لشهور ليتراجع مستواه بعدها كثيرا، وعانى من الإبعاد، ليجد نفسه بنهاية الموسم أمام صدمة كبيرة حين تم استدعاءه مع بعض لاعبي الفريق وتم إبلاغهم بالاستغناء عن خدماتهم.
أمر صعب أن تجد حلمك يهدم أمام عينيك وأنت على بعد خطوات من تحقيقه، سفيان رأى كل شيء ينهار أمامه في لحظة واحدة، وعليه الآن مغادرة النادي الذي لا يحب غيره لأن الكرة في أوقات كثيرة لا تعرف المشاعر ويحكمها عوامل فنية أكثر من أي شئ، تم الاستغناء عن رحيمي في براعم نادي الرجاء بعد أن كان أحد أفضل اللاعبين.
منحنى جديد يعيد رحيمي إلى التألق مع الكرة
فكر سفيان في ترك كرة القدم وترك حلمه والبحث عن عمل آخر، لكنه في النهاية وفي اليوم الأخير من سوق الانتقالات، أقنعه خاله بالانتقال إلى فريق الشباب الرياضي الذي لعب دورا كبيرا في حياة النجم المغربي في تلك الفترة، حيث تألق بشكل كبير مع الفريق في موسمه الأول.
وفي موسمه الثاني، نجح المدرب القدير “نور الدين حراف”، في تحويل رحيمي فنيا بتغيير مركزه من وسط الملعب لرأس الحربة والجناح الهجومي، ليستغل سرعة “رحيمي” في الانطلاقات، وتحركاته الذكية التي تخدع المدافعين وهي كانت الشرارة الفنية الأبرز ونقطة تحول كبيرة في مسيرة اللاعب.
رحيمي سجل 9 أهداف مع فريقه في المركز الجديد، لينال إعجاب “جمال فتحي”، المدير الرياضي بالرجاء، والذي قام بمراقبة اللاعب وأرسل أحد الكشافين لمتابعته عن قُرب، وانتظر تقريرا مفصلا عن مزاياه، وفي النهاية طلب من سفيان الخضوع لاختبار إضافي، ورحب اللاعب بهذا الاختبار، وبعدما وافق المدربون على ضمه، وقدم له الرجاء عقدا احترافيا.
سفيان رحيمي يكتب التاريخ مع الرجاء والعين
بعد انضمامه لنادي الرجاء، بدأ رحيمي بشكل رائع مع النسور، حيث صنع 3 أهداف في أول مشاركتين له، أما مشاركته الرابعة في مواجهة نادي أدوانا ستارز الغاني سجل خلالها هدفا وصنع هدفه الرابع مع الفريق.
اللاعب الشاب قاد الرجاء لربع نهائي بطولة الكونفدرالية الإفريقية أمام كارا برازافيل الكونغولي، لينجح في تسجيل هدف حاسم خارج الديار ويواصل رحلة تألقه في موسمه الأول، وكان على موعد مع التاريخ في نهائي البطولة ضد فيتا كلوب بعدما سجل هدفين ضد الفريق الكونغولي ليساهم في تتويج النسور بلقب غالي وتاريخي بعد غياب في المحافل القارية.
استمر تألق رحيمي مع الرجاء، حتى تلقى عرضا من نادي العين في صيف 2021 لضمه من الرجاء، وانتقل بعدها إلى صفوف الزعيم الإماراتي ليبدأ فصلا جديدا من فصول الإبداع والمتعة.
رحيمي قاد العين للفوز بدوري أبطال آسيا في موسم 2023-2024، بعد 21 عاما من تتويجه الأول باللقب، حيث توج بلقب هداف البطولة وأفضل لاعب في المسابقة، فضلا عن تألقه ضد الهلال والنصر السعوديين وإقصاءهما من البطولة.
النجم المغربي تلقى عروضا مغرية من الدوري السعودي، بجانب اهتمام عدة أندية أوروبية بالتعاقد معه بعد التألق الكبير في أولمبياد باريس 2024، الذي قاد فيه منتخب بلاده للميدالية البرونزية في الأولمبياد، وحصد فيه جائزة هداف البطولة برصيد 8 أهداف.