كنت أظن أنك غير حقيقي، شخص أسطوري يوجد في عالم الأساطير الخيالية في الروايات التي نسمع عنها ولا نراها، حتى جاء الموت ليذكرنا بحقيقة كنا سنغفل عنها، كونك شخصا عاديا.
عقلي لم يكن يعي ما أسمعه عنك، بالتأكيد لم أشاهدك تلعب كرة القدم وتكونت فكرة عامة في خيالي بأن قصتك المليئة بالمبالغات لا يمكن أن تصف شخص موجود في عالمنا الحالي، هي قصة خرافية وجدت خصيصا حتى يسمعها الأطفال الصغار قبل النوم عن البطل الخيالي الذي يحقق أشياء خرافية، فيتمنى الطفل أن يكون مثل بطل القصة ويملك قوته الخارقة، ويتباهى أمام الأطفال الآخرين بمعرفته بذلك البطل الذي لا يعرفه سواه.
ومع انتشار الرواية وكثرة ترديدها على مر العصور، يترسخ في ذهننا أن علاء الدين كان شخصا حقيقيا يملك مصباحا سحريا يحقق له أحلامه، وكل فتاة تحلم بالذهاب إلى الحفلة الكبرى وتنسى حذائها فيبحث عنها الأمير ويحبها مثل سندريلا، وأن يفوز الطفل الصغير بكأس العالم ٣ مرات مثل بيليه!
نتحدث عن طفل صغير عمره ٨ سنوات نشأ وسط أسرة فقيرة، شاهد بلاده بالكامل تبكي على ضياع لقب كأس العالم ١٩٥٠ أمام أوروجواي، ثم يأتي قبل أن يتم عامه السابع عشر ليمنح وطنه اللقب ليصبح أصغر لاعب يحقق كل الارقام القياسية في الحدث الكروي الأكبر على مر التاريخ.
A inspiração e o amor marcaram a jornada de Rei Pelé, que faleceu no dia de hoje.
Amor, amor e amor, para sempre.
.
Inspiration and love marked the journey of King Pelé, who peacefully passed away today.Love, love and love, forever. pic.twitter.com/CP9syIdL3i
— Pelé (@Pele) December 29, 2022
مغامرتك مع كرة القدم كانت حكرا على البرازيليين فقط، لم تخرج إلى أوروبا مثل بقية العظماء، وربما كان ذلك سبب تقليل البعض منك، أو الاعتقاد بأنها قصة خيالية لم تحدث، نعلم جميعا ما يحدث في كوريا الشمالية، مع عدم وجود وسائل اتصالات وتواصل مع العالم الخارجي، فيخبرهم رئيسهم بما يريد فقط، هم مقتنعين بهزيمتهم بأربعة أهداف فقط أمام البرتغال في كأس العالم ٢٠١٠، وليس بسبعة أهداف كما رأينا جميعا، لأنه قرر قطع البث المباشر بعد الهدف الرابع. ليست مشكلتنا حاليا وسنعود إلى بطل قصتنا الذي لعب في البرازيل فقط، فيخبرنا أنه سجل أكثر من ١٠٠٠ هدف، كان معجزة كروية لم تخرج للنور إلا كل ٤ سنوات، هو الأفضل في التاريخ بالنسبة لهم.
ربما شاء القدر أن تكون وفاتك في نفس العام الذي أقيم فيه كأس العالم ٢٠٢٢ والذي يصنفه البعض الأفضل في التاريخ، شاهدنا فيه جميعا جافي لاعب منتخب إسبانيا الشاب يسجل، ويصبح أصغر لاعب يسجل في تاريخ كأس العالم (منذ بيليه)، مبابي يحطم العديد والعديد من الأرقام القياسية وانبهرنا جميعا بما يحققه، لكن بعد كل رقم يحققه نجد نفس الجملة (منذ بيليه)، أو (حطم رقم بيليه). فأدركت وقتها أنك بشر مثلنا، ما حققته كان أشبه بالمستحيل لكنه لم يكن مستحيلا.
وقتها حاولت التعرف أكثر على الأسطورة بيليه، الذهاب إلى محركات البحث ومحاولة مشاهدة فيديوهات ولقطات لمهاراته، محاولة التعرف على الحقيقة، هل يستحق ما نسمعه عنه؟ مع تغير فكرتي تماما مع متابعة حدث مثل كأس العالم ومعرفة مدى صعوبته، وإدراك حقيقة إقامته مرة كل 4 سنوات، وأمامنا شخص فاز به 3 مرات، لعب في 1958، حتى 1970، 12 سنة الفارق بين أول مونديال شارك به والأخير، وفاز به 3 مرات! هذه حقيقة لا تقبل الشك، الجميع يشاهد المونديال، وليست أساطير خرافية تروى كما كنا نظن أن مصدرها البرازيليين فقط وبيليه نفسه!
وجدت هذا الفيديو والذي أتركه في رسالتي حتى يرى الجميع ما شاهدته، وتأكدت تماما من حقيقة أن كرة القدم قبل بيليه غير كرة القدم بعد بيليه. كل مهاراة من مهارات كرة القدم والتي ارتبطت بلاعب بعينه، قام بها بيليه، ما فعله يوهان كرويف وزين الدين زيدان وميسي ورونالدو وغيرهم، كان يفعله الطفل المعجزة الذي جلس على عرش كرة القدم>
Pelé vinha do futuro, o MAIOR, MELHOR e não tem jeito.
Que vídeo foda. pic.twitter.com/C5oOI0TBIS
— memes futebolisticos. – vito (@Mfutebolisticos) November 20, 2021
صحيح لم تلعب في أوروبا، لكنك كنت ملهما لأبناء شعبك، سار العديد منهم على نهجك وانتشر سحر السامبا في ملاعب أوروبا وكل مكان في العالم، كنت مثلا أعلى للبرازيليين، وهم أرادوا أن يشاهدهم العالم أجمع، ويظهر لنا القليل من بيليه بالألوان، لأنه شخصا حقيقيا، بطل أسطوري موجود في عالمنا وليس في الروايات والأساطير القديمة.
طالع أيضا: رسالة من مشجع لريال مدريد إلى ميسي
في نهاية رسالتي، أعلم تماما أن معظم الأشخاص يحصلون على تقديرهم بعد وفاتهم، ويمنى محبيهم وأقاربهم النفس أن يسمع كل المديح بنفسه قبل وفاته، أو ربما يكون الكلام بشكل عاطفي أكثر في تلك اللحظات، لكن إقامة كأس العالم 2022 وظروف مرض بيليه جعل الجميع يتذكره قبل موته، ويدرك حقيقة الرسالة التي كان من الممكن أن يتم اتهامنا بالمبالغة للسبب المذكور أعلاه، لكن بتنا جميعا متأكدين من أسطوريته، وأن كرة القدم قبل الطفل المعجزة، غير كرة القدم التي عرفناها بعد الملك بيليه.