ديربي أولد فيرم – فصول من العداوة والصراع بين رينجرز وسيلتيك
تقرير: السيد محمد السيد
في كأس إسكتلندا يلتقي سيلتيك ورينجرز لحساب الدور نصف النهائي في مباراة جديدة من ديربي أولد فيرم.
مباراة يفوق تأثيرها تحقيق لقب أو مجرد 3 نقاط، وديربي عرف العداوة والصراع منذ باكورة أيامه، في غلاسكو لا صوت يعلو فوق صوت الديربي؛ ديربي أولد فيرم بين رينجرز وسيلتيك.
في هذا التقرير نسلط الضوء على أصل العداوة بين الناديين وما يعنيه مصطلح أولد فيرم.
ناديان هما الأنجح في إسكتلندا، ويتشاركان نفس المدينة غلاسكو، ويتقاسمان فيما بينهما 107 بطولة دوري و 74 بطولة كأس، لكن بينهما كراهية وصراعًا مذهبيًّا ودينيًّا تعود جذورها جميعًا إلى خمسة قرون مضت، فما جذر هذه العداوة؟
كانت إستكتلندا -والتي تعتبر مملكة ودولة تأسيسية داخل المملكة المتحدة- حتى القرن ال16 مملكة كاثوليكية لكن مع حلول منتصف القرن ال16 تحولت إنجلترا للبروتستانتية ثم بعد صراع طويل امتد لقرابة القرنين -انتهى بسقوط آخر ملوك إسكتلندا الكاثوليك أمام الجيش الإنجليزي- تحولت كنيسة إسكتلندا إلى المذهب البروتستانتي وتبعها في ذلك الشعب نفسه.
تأسس غلاسكو رينجرز في عام 1872وتأسس سيلتيك بعد ذلك ب 15 عامًا تحديدًا في عام 1887، وكان من أهازيج جماهير سيلتيك:”عندما تحلق الراية الخضراء عاليًّا، فسوف يقاتل السيلتيك حتى الموت كي لا يحكمنا البرتقاليون اللقطاء وصفق إذا كنت تكره رينجرز الملعون” من هم البرتقاليون اللقطاء؟
البرتقاليون اللقطاء هو لقب طائفي يعرفه مجتمع إسكتلندا ويعتبر ازدراءً ضد البروتستانت، فلماذا يعادي سيلتيك البروتستانت، رغم أن البلاد ذاتها تدين بهذا المذهب منذ القرن ال18؟
في منتصف القرن ال19 بدأت هجرة الأيرلنديين لإسكتلندا واستمرت حتى مطلع القرن ال20 وصل فيها عدد المهاجرين ل 5 ملايين إسكتلندي كاثوليكي، بدءوا في الانخراط في المجتمع والتنافس على الممتلكات والوظائف وبخاصة العمالة لأنهم كانوا أرخص من ناحية المقابل المادي، وتشكل عداء مجتمعي ضدهم لدرجة رفض تعيينهم أو توظيفهم في بعض الأعمال، وانغلق هؤلاء على أنفسهم في شرق إسكنلندا وأصبحت أحياء غلاسكو الغربية معقلًا للأيرلنديين، ثم بعد ذلك وفي 1887 أصبح هؤلاء هم مؤسسي نادي سيلتيك ومشجعيه وكذلك أصبحوا رمزًا للانفصالية والاستقلال عن المملكة المتحدة.
أما رينجرز فكان الممثل لمجتمع إسكتلندا البروتستانتي المحب للوحدة وأصبح هو طرف مدينة غلاسكو الشرقي.
في عام 1889 أقيم أول ديربي “أولد فيرم” بين سيلتيك ورينجرز في لقاء ودي انتهى بانتصار سيلتيك 5-2، لتبدأ معه حكاية أكثر من 400 مباراة من العداوة والمشاحنات بين طرفين مختلفين تمامًا على مستوى الفكر والمذهب والأيدولوجية.
العداوة لم تقتصر على الجماهير بل وصلت للإدارات حيث كانت سياسة تعاقدات رينجرز “عدم التعاقد مع اللاعبين الكاثوليك” لكن ومع رغبة الإدارة في تحفيف حدة العنصرية المذهبية تعاقدت مع “مو جونستون” الكاثوليكي، تعاقد أثار حفيظة مشجعي رينجرز وسيلتيك على حد سواء.
أما جماهير رينجرز فتوجهت مجموعة منهم إلى فرع النادي في بلفاست -عاصمة أيرلندا الشمالية- وتجمهروا أمامه وأغلقوه، وأما مشجعو سيلتيك فهاجموا والد “مو” وتعدوا عليه بالضرب، كيف لا وهو لاعبهم السابق؟!
اضطر “مو” لاستئجار حارس شخصي وغير إقامته من غلاسكو إلى إدنبرة -عاصمة إسكتلندا- وتألق جونستون في موسمه الأول؛ فهتفت له الجماهير جلها لكنها انقلبت عليه عندما وصل إلى مسامعها أنه غنى نشيدًا بروتستانتيًّا خلال أحد الاحتفالات، لكن البعض الآخر لم يكن يحتفل بأهدافه وإذا سجل هدف الفوز في مباراة بنتيجة 1-0 اعتبرت هذه الفئة أن المباراة انتهت بالتعادل السلبي وعندما كانوا يهتفون للاعبين قبل المباريات كانوا يقولون عشرة من أجل الملكة وليس 11 من أجل جلالتها، أما مشجعو سيلتيك فاستشاطوا غضبًا عندما علموا بأنه بصق على شعار ناديهم، فلم يكن “مو” محبوبًا لا من هؤلاء ولا هؤلاء.
لم يسلم الديربي من أحداث الشغب والعنف بل وصل الأمر إلى القتل في بعض المباريات، لكن ومع الضائقة المالية التي أصابت رينجرز بحلول 2012 وهبوط النادي للدرجات الأدنى -قبل أن تستحوذ عليه شركة إنجليزية ويعود معها للقمة من جديد ويتوج بالدوري في موسم 2020/2021- رأت جماهير سيلتيك أن رينجرز هذا ليس النادي الذي عرفوه قبل 2012 بل رأوا أن الديربي يجب أن يكون ديربي غلاسكو وليس ديربي أولد فيرم.
في مبارياتهم سترى سياسة غلاسكو وجماهيره من سياسة إنجلترا فتراهم يدافعون عن الكيان الصهيوني ويرفعون أعلام بريطانيا، أما جماهير سيلتيك فقد عُرف عنهم مساندتهم للقضية الفلسطينية كما يرفعون أعلام أيرلندا بجوار أعلام ناديهم.
ماذا عما يخص تسمية الديربي بأولد فيرم؟
لا يعلم على وجه التحديد سبب تسمية الديربي بأولد فيرم فالبعض يرجحه لما أطلقه معلقو المباراة الأولى بينهم حيث قالوا أن الفريقين مثل صديقين قديمين وحازمين Old Firm، وقال البعض الآخر أن الأصل يعود لرسم كاريكاتوري ساخر نشر في إحدى المجلات قبل نهائي كأس إسكتلندا عام 1904 بين الفريقين ويصور مسنًا يحمل لوحة شطيرة كتب عليها” رعاية أولد فيرم: رينجرز، سيلتيك إل تي دي” ما يبرز فوائد اجتماعهما، ورجح آخرون السبب إلى أنهما من ال 11 عضوًا الأصليين في الدوري الإسكتلندي الذي تشكل عام 1890، وفي مطلع القرن الحالي اشترك الناديان في تسجيل مصطلح “أولد فيرم” في مكتب الملكية الفكرية.
وإجمالًا حقق رينجرز عدد الانتصارات الأكبر في الديربي ب 168 انتصارًا مقابل 164 لسيلتيك من أصل 434 مباراة بينهما في كل المسابقات وانتهت 102 مباراة بالتعادل.
يلعب رينجرز مبارياته على ملعب إبروكس وسيلتيك يلعب في سيلتيك بارك بينما تقام المباريات بينهما في بطولات الكؤوس على ملعب هامبدن بارك.
وتقام مباراة الغد في تمام الثالثة والنصف عصرًا بتوقيت مكة المكرمة في إطار نصف نهائي كأس إسكتلندا.
فلمن تبتسم الساحرة المستديرة في الديربي رقم 435؟ هل لفريق الوحدة والبروتستانت أم لفريق الانفصاليين والكاثوليك؟