لم تلبث أن تستفيق مصر من الكارثة التي أدت لفقدان 72 شابًا أرواحهم في مباراة كرة قدم على ملعب بورسعيد، حتى جاءت الصدمة الثانية من المعسكر الأبيض ولكن هذه المرة قبل الوصول إلى المدرجات من الأساس.
نحن في موقع 365scores حرصنا على إحياء ذكرى شهداء الكرة المصرية سواء من جماهير النادي الأهلي أو الزمالك، والبداية ستكون مع جماهير القلعة الحمراء.
وكانت البداية مع إحياء شهداء الأهلي في مذبحة استاد بورسعيد، في تقرير “لم تسقط وحدك يا صديقي”
عودة الحياة
أخيرًا، ستعود الجماهير إلى المدرجات مرة أخرى بعد 3 سنوات كاملة من الغياب بسبب مذبحة بورسعيد والتي راح ضحيتها 72 مشجعًا للنادي الأهلي.
اجتمعت مع أصدقائي من أبناء المنحنى الجنوبي مساء يوم الـ7 من فبراير من عام 2015 حتى نقوم بتنظيم رحلتنا نحو ستاد الدفاع الجوي لمؤازرة الزمالك في مباراته الصعبة أمام إنبي.
أحد الأصدقاء يقول بلهفة: “سنعود إلى المدرجات أخيرًا، لقد اشتقت كثيرًا لأجواء الملعب ودعم الزمالك وترديد الأهازيج من خلفه، مازلت لا أصدق أننا سنعود غدًا”.
فيرد عليه صديق آخر بقلق غير مبرر: “أشعر بالقلق يا صديقي، تصريحات رئيس الزمالك مرتضى منصور مع كل عداواته مع المشجعين تجعلني أخاف”.
فجاء رد صديقه الأول سريعًا: “وماذا قال مرتضى منصور؟ نحن سنذهب لتشجيع الزمالك فقط وليس لنا شأن به أو بأزماته مع الأولتراس”.
فأجابه الأخير: “لقد قال مرتضى منصور أنني أحضر مفاجأة للجماهير التي ستحضر غدًا المباراة، ماذا يمكن أن تكون مفاجأته لنا بعد كل تلك الصراعات؟”.
انتهى الحديث بين الصديقين بالاتفاق مع مجموعة أخرى على التحرك مبكرًا نحو استاد الدفاع الجوي لبعد المسافة بعد حصلوا على التذاكر المخصصة للمباراة.
- طالع أيضًا:
- افتكروهم في رمضان – افتح بنموت!
- سيدة مسنة تنقذ مارسيلو من الغياب عن مباراة تشيلسي
- تسريبات من الأرجنتين تكشف مستقبل ميسي ونيمار الموسم المقبل
وقفة العيد
رجعت إلى المنزل وفي عيوني حماس غاب منذ سنوات طويلة، لدرجة أنه لفت نظر أمي التي ابتسمت وقالت لي: “ماذا بك، ما كل هذه السعادة التي تغمرك؟”.
رددت عليها سريعًا بابتهاج: “سأعود إلى الاستاد خلف الزمالك غدًا يا أمي أخيرًا، اشتقت لهذه الأجواء كثيرًا”.
ردها كان قلقًا مثل صديقي تمامًا: “يا ولدي أخاف عليك من الذهاب إلى تلك المباراة، ألم ترى ما حدث لجماهير الأهلي في بورسعيد والمشاكل العديدة بين الأمن والجماهير”.
لم اكترث بكلام أمي ودخلت مسرعًا إلى خزينتي وأخرجت قميص الزمالك الذي طالما تعودت على ارتداءه في كل رحلتي إلى المدرجات بجانب وشاح وعلم الفارس الأبيض، وقمت بتجهيزهم وكأنهم ملابس العيد.
ذهبت إلى النوم لكنني في الحقيقة لم أغمض عيني للحظة، ظللت اتخيل عودتي للاستاد مرة أخرى والتشجيع الذي سنقوم به غدًا، وهل سيفوز الزمالك ويفرحنا أم يكون هناك فصل من فصوله السيئة؟ لا يهم، المهم أنني سأراه وأقف وراءه غدًا كما تعودت طوال عمري.
افتح بنموت
تحركنا في صباح اليوم التالي نحو ملعب المباراة، ومع وصولنا إلى محيط الدفاع الجوي شعرنا بحركة غير طبيعية من أفراد الأمن وهناك تكدس يحدث أمام بوابة الدخول.
قُلت مسرعًا إلى الأصدقاء: “هيا بنا نحو البوابة حتى نلحق الدخول سريعًا المدرجات مبكرًا”.
ولكن صديقي القلوق دائمًا رد: “مهلًا يا صديقي، ألا ترى كل هذا التكدث، فلننتظر قليلًا حتى تهدأ الأوضاع”.
لكنني رفضت فكرته وهددته أنني سأذهب وحدي نحو البوابة، الحماس كان يغمرني ولم استطع الانتظار حتى تطأ قدمي مدرجات الملعب وأرى الزمالك.
بدأنا في التحرك نحو البوابة ولكن الازدحام يزداد ولا أحد يدخل إلى الملعب، لكنني اتحرك مع الجماهير نحو الأمام وبدأت في رؤية بوابة المدرجات بالفعل، لمعت عيني كثيرًا حينما وقعت عليها.
ولكن كل هذا الحماس تحول فجأة إلى رعب، وجدنا أنفسنا في قفص حديدي ضيق والأعداد تتزايد بشكل لا يجعلك قادر على التنفس، بدأت في القلق ونظرت إلى صديقي فوجدته في حالة رعب.
بدأت الجماهير “المحشورة” في القفص الغير آدمي في الهتاف والصراخ بجملة واحدة هزت أرجاء محيط الدفاع الجوي: “افتح، بنموت”.
رد الفعل جاء صادمًا من الطرف الثاني، فجأة وجدنا وابل من قنابل الغاز وطلقات الرصاص “الخرطوش” تطلق نحو الجماهير بشكل جنوني فبدأ الهرج والمرج.
حالة من الهياج أصابت الجميع داخل القفص، وبدأ الدخان يخنق البعض والتدافع يٌسقط البعض الآخر، حتى جاء دوري فلم اتحمل كل هذا الدخان لأسقط مغشى علي.
بدأت الأقدام تدوس فوقي وأنا غير قادر حتى على الكلام، أنظر في وجود الجميع آملًا في أن أرى صديقي لينقذني لكنني دقائق معدودة حتى أغمضت عيني بلا رجعة.
ها هو صديقي يبحث عني وسط الجثث الملقاة على الأرض، أرغب في مناداته لكنني غير قادر على إصدار أي أصوات، أحاول أن أركض نحوه لكن جسمي لا يتقبل أوامري.
وجدني أخيرًا وقام بحملي وإخراجي من هذا المكان المشؤوم سريعًا، لكن هناك أمر غريب، إنه يبكي بجنون ماذا بك؟ أنا هنا معك وخرجنا من هذا القفص.
بدأ صديقي في هزي بجنون وترديد أسمي وأنا لا استطيع الرد عليه، أراه وأرغب في احتضانه لكنني غير قادر؟ وفجأة صدمني بالواقع الأليم.
ظل يصرخ مرددًا: “قلت لك لا نذهب إلى هذه المباراة، قتلوك يا صديقي وتركتني في الرحلة وحدي”.
ماذا تقول أيها المجنون؟ أنا هنا معك اسمعك وأراك، لا حتمًا لم أمُت، سندخل سويًا الآن ونقوم بتشجيع الزمالك والهتاف له كما اعتدنا من قبل.
حملوني نحو المنزل، أمي وأخواتي يبكون بحرقة ويحتضنوني، مازلت غير مستوعب ما يحدث لماذا هذا الصراخ كله؟ أنا هنا معكم وبجانبكم.
حاولت أن أضع يدي على وجه أمي كما أفعل دائمًا واقوم باحتضانها لاطمئنها كما أفعل دائمًا، لكنني لم استطع ويبدو أنني لن استطع.
الحلم الجميل تحول إلى كابوس مفزع، المشجع الذي لم ينم من فرحته بتواجده خلف فريقه المفضل، سينام إلى الأبد، قتلوني كما قتلوا مشجعي الأهلي منذ سنوات.
كنت أظن أن كناية فبراير بأنه الأسود هي مجرد خرافة يرددها البعض عن غير علم، لكنها تبدو حقيقة ففبراير أبى أن يكتفي بكارثة واحدة لونها أحمر حتى ألحقها بكارثة أخرى باللون الأبيض.