قصص كأس العالم – لاعب بيد مبتورة يصنع المجد ويقود الأوروجواي للفوز بمونديال 1930
يأخذك 365Scores في جولة خفيفة بين حكايات وقصص كأس العالم عبر العصور، لاستكشاف كواليس منسيّة وأحداث كانت سببًا في جعل كأس العالم هو البطولة الأضخم بين مختلف البطولات المعترف بها الآن، والبطولة الوحيدة التي تشهد صمت العالم بأثره للالتفاف حول بؤرة ما تنير في إحدى بقاع الأرض كل 4 أعوام فقط.
وخلال هذه الجولة، سنقفز بين أجواء كأس العالم 1930، أي أولى نسخ العُرس العالمي الأضخم بين بطولات كرة القدم الآن، تلك النسخة التي أقيمت في الأوروجواي بأمريكا الجنوبية، وتوّج بها صاحب الأرض أيضًا، لكن بطل الحكاية اللاتينية هذه المرة كان شخص استثنائي، يستحق النظر فيما صنعه لبلاده بغض النظر عن قيادة الأوروجواي نحو كأس النصر أو جول ريميه الأولى في التاريخ!
هيكتور كاسترو وأسطورة الإله ذو اليد الواحدة!
سنغوص هذه المرة مع أسطورة منتخب الأوروجواي “هيكتور كاسترو”، المعروف في الأوروجواي بإسم ” إل ديفينو مانكو “، والتي تعني ” الإله ذو اليد الواحدة “، وهو لقب يحبه “كاسترو” نفسه كثيرًا، بخلاف إجماع كافة الشعب في أوروجواي على إنه يستحق التقدير هكذا وأكثر.
هيكتور كاسترو بخلاف قيادته لأوروجواي للتتويج بلقب كأس العالم 1930، لكنه حقق خلال مسيرة كروية ناجحة امتدت لـ 15 عامًا، 4 ألقاب أخرى كلاعب مع منتخب بلاده و8 ألقاب كلاعب ومدرب مع عملاق الأوروجواي؛ نادي ناسيونال.
بخلاف وضع إسمه بين الهدافين التاريخيين لمنتخب الأوروجواي، حيث وقف في المركز الرابع بينهم؛ في وقت تقاعده.
العودة إلى حيث بدأ كل شيء
أما عن قصة هيكتور كاسترو، دعنا نعود بآلة الزمن إلى عام 1917، حيث ولد أسطورة الأوروجواي مثل العديد من عظماء كرة القدم في أمريكا الجنوبية، في فقر مدقع! حيث نشأ في مدينة مونتيفيديو، ومثل أكثر من ثلث سكاي الأوروجواي أجبرته الظروف المادية الخاصة بأسرته على العمل وهو ابن الـ 10 من عمره!
ليضطر بذلك إلى الالتحاق بعمل في مصانع تضم العديد من الآلات الثقيلة، برغم صغر عمره، لكن فقر أسرته كانت وراء دفعه لقبول مثل هذا العمل الذي ظل فيه حتى عمر الـ 13 عامًا، وهو نفسه توقيت معاناته من حادث آليم.
في نهار يوم من أيامه الروتينية، استيقظ “هيكتور” ليبدأ ما تركه في منتصفه في يوم أمس، وقف الطفل ابن الـ 13 عامًا أمام إحدى الآلات وبدى عليه الرغبة في النوم، حتى أنه قطع ساعده الأيمن بواسطة منشار كهربائي تسبب في تشوه دائم ليد الفتى المراهق!
مثل تلك الحادثة -ربما- من شأنها أن تضع نقطة النهاية في أحلام وآمال العديد، لكن في وضع هيكتور كاسترو، مثّل هذا الوضع دافعًا أكبر لاستكمال ما يحبه بشغف والابتعاد عن العمل وسط الآلات والماكينات نهائيًا.
حادثة يد “كاسترو” وقفت حائلًا بينه وبين قبوله في أي عمل جديد، من سيتيح المجال لطفل للعمل بيد واحدة؟! لا أحد.. لذا قرر هيكتور التفرغ لكرة القدم وإتخاذ خطوة كبير فيها -ربما- قد تنتشله من حياة الفقر إلى حياة أفضل.
ولأن القدر يبتسم عادة لمن يُقاوم ويسعى، وقع هيكتور كاسترو أول عقد احترافي له مع نادي “أتلتيك كلوب ليتو” بعدما لعب بين صفوف فرق الشباب لسنوات طويلة، حتى أصبح عمره 17 عامًا.
استمر هيكتور كاسترو مع فريقه لموسمين حتى بلغ الـ 19 عامًا، حتى نجح خلال تلك الفترة في جذب انتباه وأنظار المسؤولين في نادي “ناسيونال” أحد أشهر أندية الأوروجواي على الإطلاق. حيث أراد النادي الأوروجوياني التوقيع مع اللاعب على الفور، وعقب موافقة “كاسترو” ظهر فورًا مع الفريق الأول في أول مباراة للنادي عقب انضمامه لصفوفه.
كاسترو لم يكتفِ بتقديم أداء جيد ومميز، بل ساهم في صعود ناسيونال إلى قمة المجد، حيث ساعد النادي الأوروجوياني على الفوز بلقب الدوري في موسم 1923/1924. حتى وأنه لم يكن من الصعب توقع أن “كاسترو” سيتلقى استدعاء من منتخب الأوروجواي للعبب أول مباراة دولية له في العام نفسه 1923.
لم يحتاج هيكتور كاسترو لفترة طويلة حتى يعلن عن نفسه مع منتخب أوروجواي، حيث نجح في قيادة منتخب بلاده لتحقيق الميدالية الذهبية في دورة الألعاب الأولمبية في باريس عام 1924، قبل أن يعاود الظهور بإنجاز آخر وتحقيق لقب كأس أمريكا الجنوبية “كوبا أمريكا” عام 1926.
لم يتوقف هيكتور كاسترو لحظة، حتى أنه واصل تألقه مع الأوروجواي في دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في هولندا 1928، ومنح منتخب بلاده الميدالية الذهبية الثانية.. حتى أتت اللحظة المرتقبة! ذهب كأس العالم 1930.
هيكتور كاسترو والأوروجواي.. عندما تصنع المجد لمنتخب بلادك بذراع واحدة
بالرغم أن كرة القدم الدولية بين المنتخبات وغيرها موجودة منذ عام 1870، إلا أن الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” فكر في ابتكار بطولة تجمع منتخبات العالم كافة تحت رايتها في عام 1930، حين تم إطلاق بطولة كأس العالم للمرة الاولى في تاريخ البطولة الأضخم إلى يومنا هذا.
وبسبب الفقر الذي تفشى في أوروبا في الثلاثينيات، تم اختيار الأوروجواي كبلد لاستضافة النسخة الأولى لكأس العالم، خاصة وأنها قد توجت بالميدالية الذهبية لدورة الألعاب الأولمبية مرتين متتاليتين عام 1924 و1928.
وبالرغم أن “فيفا” أرسل دعوة لجميع المنتخبات المنتسبة في الاتحاد الدولي للمشاركة في البطولة، لكن 13 منتخبًا فقط وافق على اللعب في النسخة الأولى، 7 من بينهم من أمريكا الجنوبية و4 فقط من أوروبا.
حيث امتنعت منتخبات عدة من أوروبا بسبب اعتراضها على إقامة البطولة في امريكا الجنوبية، نظرًا لبعد المسافة بين القارتين في الماضي، بخلاف التكاليف الباهظة التي لم يقدر على تحملها الأوروبيين في ذلك الوقت بسبب فقرهم.
تم توزيع المنتخبات الـ 13 على 4 مجموعات، وكانت المجموعة الأولى هي الوحيدة التي تضم 4 منتخبات، بينما ضمت كل المجموعات الأخرى 3 فرق فقط.
وتأهل 4 منتخبات أصحاب المراكز الأولى إلى دور نصف النهائي، وهم: الأرجنتين – الولايات المتحدة الأمريكية – الأوروجواي – يوغوسلافيا “.
انتصرت الأرجنتين على أمريكا بنتيجة 6-1، وبنفس النتيجة انتصرت أوروجواي على يوغوسلافيا، حيث انتهت المباراة بنتيجة 6-1.
في المباراة النهائية لهذه البطولة، سجل هيكتور كاسترو في فوز الأوروجواي على جاره اللاتيني منتخب الأرجنتين، في مباراة نارية من العيار الثقيل، حينها تقدم “بابلو دورادو” لأصحاب الأرض في الدقيقة 12، قبل أن يتعادل “كارلوس بيوسيلي” في الدقيقة 20 للتانجو.
وبعد دقائق تحديدًا في الدقيقة 37، سجل “غييرمو ستابيلي” الهدف الثاني لراقصي التانجو! لينتهي الشوط الاول بنتيجة 2-1 للأرجنتين.
لكن أصحاب الأرض سرعان ما كشروا عن أنيابهم في الشوط الثاني، وسجلوا 3 أهداف إضافية بأقدام “بيدرو سيا” الدقيقة 57 و”سانتوس إريارتي” الدقيقة 68، و”هيكتور كاسترو” اختتم حفلة الأهداف في الدقيقة 89 ليعلن تتويج الأوروجواي بذهب البطولة للمرة الأولى في تاريخها.
أما هيكتور كاسترو فلم يبقى في ملاعب كرة القدم بعد هذا التتويج الفريد سوى 5 سنوات أخرى، لكن لم يحالفه الحظ في الظهور في كأس العالم 1934 بسبب امتناع الأوروجواي على التواجد في تلك النسخة، لمعارضتها للنظام الديكتاتوري في إيطاليا بقيادة موسوليني.