الوجه الآخر لـ”كوكب التنس” – روجر فيدرير كما لم تعهده من قبل
“هو أتى، نحن رأيناه.. هو انتصر، نحن اغرمنا به”.. هكذا كان حال الجميع مع خروج موهبته إلى النور للمرة الأولى، ربما عشقه الكبار من أجيال الثمانينات أولًا.. لكنه كان قادرًا جدًا على خطف قلوب الملايين من الشباب حول العالم، ليتفق على حبه قبل موهبته جيل بعد جيل.
في مختلف المجالات من حولنا -ربما- يمر شخص ما في حياتك تستشعر بأنه تجسيد حرفي لمعنى “أكسير السعادة”.. لكن الكثيرين يجدون تلك السعادة في ملاعب الكرة الصفراء فيلجأون لها في لحظة ما.. للترويح عن النفس بعد مشقة، فيستقبلهم هو بحُلته المعهودة.. ويُنهي جلسته معهم بابتسامة تخطف القلوب بعدما كان سببًا في ارتفاع الأدرنالين لساعات طويلة.
في كوريا الجنوبية، هناك حكمة جميلة أعشقها تقول: ” في نهاية المشقة تأتي السعادة “.. لكن ماذا أن كنت أنت سفيرًا للسعادة؟! تنشر البهجة في كل ظهورِ لك! وجودك أمام محبيك يزيد من فرحهم! تخفف من قسوة الرحلة حتى تكون أنت أكسير سعادتهم.
لذا سيكون علينا رد الجميل والاعتراف بأن مصدر السعادة الحقيقي في لعبة التنس هو السويسري “روجر فيدرير”، البعض قد يكون له لاعب أو اثنين مفضلين في الملاعب الصفراء، لكن الجميع يتفق على روجر فيدرير.
اعتزال كوكب التنس روجر فيدرير
ولأن لكل شيء نهاية، قرر كوكب التنس روجر فيدرير إعلان اعتزاله نهائيًا، بعد مسيرة طويلة امتدت إلى 24 عامًا، خاض خلالها أكثر من 1500 مباراة وحقق العديد من ألقاب الجراند سلام.
” أعرف حدود وقدرات جسدي جيدًا.. والرسالة التي تلقيتها منه مؤخرًا كانت واضحة جدًا، عمري أصبح 41 عامًا، لعبت أكثر من 1500 مباراة على مدار 24 عامًا، لقد عاملني التنس بكرم يفوق كل أحلامي.. والآن لابد لي من إتخاذ القرار المناسب لإنهاء مسيرتي “.
تلك الكلمات الأخيرة التي قالها مايسترو التنس، بعدما نشر بيانًا مطولًا بصوته -لأنه يعلم جيدًا أن الصوت يلمس القلب أكثر من الكلمات الصماء-، أكد فيه أن كأس ليفر 2022 سيكون آخر ظهور له في الملاعب الصفراء، وأن وداعه في ختام مسيرته سيكون أمام الجماهير التي لطالما ساندته ودعمته في نهاية سبتمبر 2022.
لكن.. هل تعرف روجر فيدرير بالفعل.. هناك الكثير عن حياة مايسترو كرة المضرب، -ربما- ستعرفها للمرة الأولى.
روجر فيدرير الذي احترف لعبة التنس منذ مراهقته حتى أصبح بطلًا قوميًا في سويسرا، حين بلغ الـ 14 عامًا تم اختياره للتدرب على اللعبة من قِبل المركز الوطني السويسري للتنس، وهناك تأثر بقوة بمهارات أساطير التنس أمثال: بوريس بيكر وستيفان ايدبيرج وغيرهم.
لكن في عام 1998، كان فيدرير قد بلغ عامه الثامن عشر بالفعل! لكن وبسبب شغفه الكبير بالتنس، أنهى عامه هذا وهو في تصنيف أفضل 100 لاعب في العالم!
لم ينتظر طويلًا حتى أصبح في صدارة تصنيف لعبة التنس، حيث وقف في المركز الأول في عام 2004 عقب حصوله على أول لقب جراند سلام، وذلك بعد الفوز بلقب بطولة ويمبلدون المفتوحة للتنس.
وبعد 24 عامًا بالتمام من مسيرته المبهرة في التنس، أصبح فيدرير ثالث أكثر لاعب يحصد ألقاب جراند سلام (20 لقبًا)، بالرغم أن في وقتِ ما كان الأول على الإطلاق قبل أن يلحق به رافائيل نادال ونوفاك دجوكوفيتش.. حيث توّج بـ 6 ألقاب لبطولة استراليا المفتوحة، وفاز بلقب ويمبلدون المفتوحة 8 مرات، و5 ألقاب من بطولة أمريكا المفتوحة ولقب وحيد من بطولة فرنسا المفتوحة.
روجر فيدرير الذي لا تعرفه من قبل
ولد روجر في سويسرا، لأب سويسري يُدعى “روبرت فيدرير” أما والدته السيدة “لينيت” فأصولها تعود إلى جنوب إفريقيا، تربى أسطورة التنس في بازل السويسرية، وبسبب شغفه الكبير بلعبة التنس، اضطر لترك الدراسة في سن الـ 16 عامًا، من أجل التقدم أكثر فأكثر في اللعبة.
لكن في عام 2017، وبسبب ما قدمه طوال مسيرته في التنس، منحته جامعة بازل السويسرية شهادة الدكتوراة الفخرية تكريمًا له.
وتقديرًا لما قدمه في الـ 24 عامًا الأخيرة من أجل التنس، تم إطلاق إسمه على أحد الشوارع في ألمانيا، تكريمًا لجهوده الرائعة التي يقدمها لمن حوله ببذخ.
ووفقًا لتقارير عديدة، تقدر ثروة فيدرير والتي جناها من لعبة التنس، قرابة الـ 400 مليون دولار، فهو يعتبر أغنى شخصية رياضية على الإطلاق، لكن المبهر أن أسطورة التنس لا يستخدم تلك الأموال لنفسه! فأين تذهب؟!
الوجه الآخر لـ” كوكب التنس ” الذي أغرمنا به!
في العادة؛ يلجأ العديد من الرياضيين لإنشاء مؤسسات تتمحور حول الرياضة التي يعشقونها، فلاعب كرة القدم عادة ما تجده يُركز على تأسيس أكاديمية لكرة القدم، وهكذا في مختلف الرياضات.
لكن لأن “روجر فيدرير” أعتاد أن يكون مختلف في كل شيء، فكان عليه أن يخطف قلوب عشاقه بتصرفات خارج الملاعب الصفراء أيضًا، حتى قرر إقامة مؤسسة روجر فيدرير لتعليم الأطفال الفقراء، في عام 2003.
مؤسسة روجر فيدرير هي مؤسسة غير ربحية، تعمل على توفير وصول متزايد إلى التعليم المبكر للأطفال في 6 بلدان منخفضة الدخل، بينهم: زامبيا ومالاوي وبوتسوانا وجنوب إفريقيا وأيضًا في بعض المناطق في سويسرا!
الاختلاف الذي صنعه فيدرير في ملاعب التنس، تعمد مواصلته خارجها أيضًا، حيث أكدت مؤسسة فيدرير في بيان لها عند تأسيسها، أنها منظمة غير ربحية، ستركز فقط على تعليم الأطفال الصغار، إيمانًا منها بأن أفضل طريقة لمساعدة الآخرين ليست فقط توفير المال والمغادرة، ولكن توفير المهارات التي يمكنها أن تساعد الأجيال القادمة.
تقول “جانين هانديل”، الرئيس التنفيذي لمؤسسة روجر فيدرر: ” اكتشفنا أنه في مجتمع أو قرية واحدة لا توجد فصول دراسية للأطفال الصغار، نقوم بتعبئة هذه المجتمعات ونوضح لهم كيف يمكنهم التنظيم لبناء فصل دراسي آخر. لذلك فنحن لا نبني الفصول الدراسية، ولكننا نمكّن المجتمع من تحسين البنية التحتية “.
ومنذ ذلك الحين، حققت مؤسسة فيدرير نجاحًا باهرًا، حيث أنفقت أكثر من 52 مليون دولار على مبادرات التعليم في اكثر من 7000 مدرسة لتؤثر المؤسسة في تعليم نحو أكثر من 1.5 مليون طفل منذ تأسيسها.
فمثلًا يقول تقرير مطول أعدته مجلة “فورجين” العالمية، أن روجر فيدرير قام بإنفاق ما يقرب من 14 مليون دولار خلال السنوات الـ 10 الماضية من أجل بناء مدارس في مالاوي بالتعاون مع عدة شركاء، لمساعدة أكثر من 150 ألف طفل على تعلم القراءة.
وفي عام 2005، عندما ضرب إعصار “كاترينا” مناطق مختلفة في أمريكا، لم ينتظر فيدرير كثيرًا، حتى أنه قام ببيع مضرب التنس الخاص به -الذي فاز به ببطولة ويمبلدون المفتوحة 2004- في مزاد لكسب 40 ألف دولار أمريكي ومنحهم للضحايا المتضررين من الإعصار.
بخلاف التعليم ومباريات التنس لتحسين حياة الفقراء في إفريقيا، حين تفشى فيروس “كورونا” في عام 2020، شعر فيدرير بضرورة العمل على شيء مختلف، فترك مضربه جانبًا وبادر بالنزول بنفسه إلى إفريقيا.
أعاد فيدرير توجيه جهوده الإنسانية لمساعدة الأشخاص المعرضين للخطر مع انتشار فيروس كورونا، حيث واصل دعمه للأطفال الصغار في إفريقيا، وتعهد بتقديم مليون دولار لتوفير وجبات الطعام للطلاب أثناء إغلاق المدارس أثناء الوباء.
بالفعل الأموال التي تبرع بها كانت كافية جدًا لتزويد 64000 طفل بوجبات الطعام اللازمة طوال اليوم، بخلاف إفريقيا، فقد تقدم بتبرع بمليون فرانك سويسري لدعم وطنه؛ سويسرا؛ والأسر المحتاجة هناك.
فيدرير لم يترك مؤسسته فقط تقوم بتعليم الأطفال في إفريقيا، فقد شوهد في أوقات مختلفة أثناء وجوده وسط هؤلاء الأطفال وهو يحاول تعليمهم القراءة والكتابة بخلاف تعليمهم عادات اجتماعية مختلفة، وأحيانًا كان يخصص وقتًا معهم للعب فقط.
مباريات التنس للتخفيف من حدة الفقر!
أدرك روجر فيدرير في مرحلة ما، أن مباريات التنس قادرة على التخفيف عن الآخرين، ومنح البعض وقتًا من أجل الشعور بالراحة والاسترخاء داخل الملاعب الصفراء.
لذا لم يتهاون أبدًا في الاعتماد على مباريات التنس من أجل التخفيف عن الآخرين الذين يعانون أيضًا من الفقر، ففي عام 2010، وفي أعقاب الزلزال المدمر الذي وقع في هايتي، نظم فيدرير مباراة تنس كانت قد أقيمت قبل بطولة استراليا المفتوحة.
وقرر أن تكون تذكرة تلك المباراة تُكلف الفرد 9.25 دولارًا أمريكيًا فقط، حتى نجح في جمع 200.000 دولار امريكي وقتها من دخل تلك المباراة، ووضع كامل المبلغ لتعويض المتضررين من الزلزال.
روجر فيدرير الذي يعد أحد أعظم فاعلي الخير بين الشخصيات الرياضية، حيث بدأ عمله الخيري عندما كان عمره 22 عامًا، والآن وهو في عمر الـ 41 عامًا، لا زال لديه أهداف خيرية بالجملة ليقدمها، ففي عام 2019 خطط للتبرع بمبلغ إضافي قدره 50 مليون دولار للخير.
بخلاف ذلك، فإن فيدرير اعتاد على لعب بعض المباريات الخيرية أيضًا في عام 2020 ليذهب العائد منها لصالح أعمال الخير في الدول التي يرعاها في إفريقيا.
هنا يلعب الإسباني المخضرم “رافائيل نادال” دورًا هامًا، إلى جانب فاعل خير ثري آخر، ألا وهو “بيل جيتس”، حيث يشارك نادال في تلك المباريات رفقة فيدرير، ويقوم بيل جيتس بالتبرع ببعض الأموال لصالح تلك الجمعية.
مع كل هذا العطاء ومشاعر الإنسانية الرقيقة التي يملكها شخص مثله.. كان حتمًا ولا بد أن تأتي السعادة في نهاية رحلة روجر فيدرير.. الذي ودعه العالم بعد رسالته المؤثرة وقت إعلان اعتزاله.. ولا زال الجميع يتحدث..